حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن مسعود بن الحكم الأنصاري، عن رجل، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي أن يركب راحلته أيام منى، فيصيح في الناس: «لا يصومن أحد، فإنها أيام أكل وشرب» قال: «فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك»
يومُ عَرَفَةَ، ويومُ النَّحْرِ، وأيامُ التَّشريقِ، هي أيَّامُ عِيدٍ للمسلمينَ في مَشارِقِ الأرضِ ومغاربِها، يَفْرَحونَ فيها بنِعْمةِ الإسلامِ، وهِدايةِ اللهِ لهم، ويَتمَتَّعونَ بالأكلِ والشُّربِ فيها كما أَمَرَهم ربُّهم
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُريْرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَمَرَ عبدَ اللهِ بْنَ حُذافَةَ أنْ يَطُوفَ"، أي: يدورَ على الناسِ "في أيامِ مِنًى"، أي: أيامِ التَّشريقِ، وهي ثلاثةُ أيامٍ تلي يوْمَ النَّحْرِ، وهي الحادي عَشَرَ، والثَّاني عَشَرَ، والثَّالثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذي الحِجَّةِ، سُمِّيَتْ بذلك لِتَشرِيقِ الناسِ لُحومَ الأَضاحِيِّ فيها، وهو تَقْدِيدُها ونَشْرُها في الشَّمْسِ لِتَجْفِيفِها، وهذه كانتْ حالَهم في الصَّدرِ الأوَّلِ للإسلامِ، وفي هذه الأيَّامِ تكونُ لُحومُ الأَضاحِيِّ والهَدْيِ مُتوفِّرةً؛ "أَلَا لا تَصوموا هذه الأيامَ، فإنَّها أيامُ أكْلٍ وشُرْبٍ، وذِكْرُ اللهِ" فإنَّ الأكْلَ والشُّرْبَ مَعْناهُ أنَّ هذه الأيامَ التي لا يُجوزُ صِيامُها جملةً لغيرِ المتمتِّعِ، وأما الذِّكْرُ فيها، فإنَّ بِمِنَى يكونُ التَّكبيرُ عندَ رمْيِ الجَمْرةِ، وفي سائِرِ الأمْصارِ التَّكبيرُ في آخِرِ الصَّلواتِ، وأتْبَعَ إباحةَ الطَّعامِ والشَّرابِ بذِكْرِ اللهِ صِيانَةً عنِ التَّلهِّي والتَّشهِّي كالبَهائِمِ، بل يَكونانِ إعانةً على ذِكْرِ اللهِ وطاعَتِهِ