حديث معاذ بن جبل 6

مسند احمد

حديث معاذ بن جبل 6

حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أبي إدريس العيذي أو الخولاني قال: جلست مجلسا فيه عشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا فيهم شاب حديث السن، حسن الوجه، أدعج العينين، أغر الثنايا، فإذا اختلفوا في شيء، فقال قولا انتهوا إلى قوله، فإذا هو معاذ بن جبل، فلما كان من الغد، جئت فإذا هو يصلي إلى سارية، قال: فحذف من صلاته، ثم احتبى، فسكت، قال: فقلت: والله إني لأحبك من جلال الله، قال: «ألله؟» قال: قلت: ألله. قال: " فإن [ص:327] من المتحابين في الله، فيما أحسب أنه قال، في ظل الله يوم لا ظل، إلا ظله، ثم ليس في بقيته شك يعني: في بقية الحديث، يوضع لهم كراسي من نور يغبطهم بمجلسهم من الرب عز وجل النبيون والصديقون والشهداء "قال: فحدثته عبادة بن الصامت، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، وحقت محبتي للمتصافين في المتواصلين» شك شعبة: في المتواصلين، أو المتزاورين

 مِن الصِّفاتِ العظيمةِ الَّتي تُرضِي اللهَ المحبَّةُ فيه، والمحبَّةُ في اللهِ تَكونُ خالِصةً مِن الأغراضِ الدُّنيَويَّة،ِ فهي تَكونُ لِوَجهِ اللهِ تَعالى

وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِعَظيمِ أجْرِ المُتحابِّينَ في اللهِ، فيَرْوي التَّابعيُّ أبو مُسلِمٍ الخَوْلانيُّ: "قُلتُ لِمُعاذِ بنِ جَبَلٍ: واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ لِغَيرِ دُنيا أرْجو أنْ أُصيبَها مِنكَ، ولا قَرابةَ بيْني وبيْنَك، قال: فلأيِّ شَيءٍ؟ قُلتُ: للهِ"، أي: أنَّ هذه المحبَّةَ محبَّةُ قُلوبٍ خالِصةٍ لا تَتعلَّقُ بأيِّ شَيءٍ من أُمورِ الدُّنيا التي يَتَقارَبُ النَّاسُ من أجْلِها "قالَ: فجَذَب حَبْوتي"، وهي مَوضِعُ مَعقِدِ الثِّيابِ من وَسَطِ الجَسَدِ ثُمَّ قالَ: أبْشِرْ إنْ كُنتَ صادِقًا، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: "المُتَحابُّونَ في اللهِ" وهُم الَّذين كانتْ قُلوبُهم مُجتمِعةً على المَحبَّةِ في ذاتِ اللهِ تَعالى، وكان سبَبُ حُبِّهم هو إجْلالُ اللهِ وتَعْظيمُه، فلا يُحِبُّون إلَّا ما يُحِبُّه اللهُ، "في ظِلِّ العَرشِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ"، فيُوقِفُهم اللهُ تَحتَ عَرشِهِ ويَستَظِلُّونَ به من حَرِّ المَوقِفِ يَومَ القيامةِ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي تَدْنو فيه الشَّمسُ مِن رُؤوسِ العِبادِ، ويَشتَدُّ عليهم حَرُّها، "يَغبِطُهُم بمَكانِهِم النَّبيُّونَ والشُّهَداءُ"، والغِبْطةُ هي أنْ يتَمنَّى الإنسانُ نِعْمةً على ألَّا تَزولَ عن صاحِبِها، وقيَل: هي الاستِحْسانُ، والمَعْنى: أنَّ الأنبياءَ والشُّهَداءَ يَستحسِنونَ أحْوالَ هؤلاءِ المُتَحابِّينَ لِقُرْبِهم من اللهِ تَعالى، قال أبو مُسلِمٍ الخَوْلانيُّ: "ولَقيتُ عُبادةَ بنَ الصَّامِتِ، فحَدَّثتُهُ بحَديثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ، فقالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ يقولُ عن ربِّهِ تَبارَكَ وتَعالى: حقَّتْ مَحبَّتي على المُتَحابِّينَ فيَّ"، وهُم قَومٌ تَحابُّوا بنُورِ اللهِ من غَيرِ أرحامٍ، ولا أنْسابٍ، "وحقَّتْ مَحبَّتي على المُتَناصِحينَ فيَّ"، فيَبذُلُ بَعضُهُم لِبَعضٍ النَّصيحةَ الخالِصةَ الصَّادِقةَ، ومِن ذلك التنبيهُ على فِعلِ المأموراتِ وترْكِ المنهيَّاتِ مَحبَّةً في اللهِ، "وحقَّتْ مَحبَّتي على المُتَباذِلينَ فيَّ" الَّذين يُنفِقونَ أمْوالَهم في طاعةِ اللهِ سُبْحانَهُ، وكما أمَرَهُم اللهُ، ويُنفِقونَها عن مَحَبَّةٍ للهِ ورضًا بأوامِرِهِ، "وهُم على مَنابِرَ من نُورٍ" والمِنبَرُ هو ما يُجلَسُ عليه في المَحافلِ، وهذه المَنابِرُ يَومَ القيامةِ تكونُ مِن نُورٍ، فتكونُ في أجمَلِ صُورةٍ، وأحسَنِ مَنظَرٍ وأَبْهاهُ، "يَغبِطُهُم النَّبيُّونَ، والشُّهَداءُ والصِّدِّيقونَ"، وهذا يدُلُّ على عَظيمِ مَكانِهِم، ورِفْعةِ مَنزِلَتِهِم بحيث يَتمنَّاها أعظَمُ النَّاسِ أجْرًا من النَّبيِّينَ والشُّهَداءِ والصِّدِّيقينَ

وفي الحَديثِ: حَثٌّ على التَّحابِّ في اللهِ، ومِن أجْلِهِ لا مِن أجْلِ أغْراضٍ دُنيويَّةٍ زائلةٍ

 وفيه: أنَّ التناصُحَ بيْنَ المسلِمينَ يُورِثُ مَحبَّةَ اللهِ