حديث معاذ بن جبل 9
مسند احمد

حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، قال سليمان بن موسى: حدثنا مالك بن يخامر، أن معاذ بن جبل، حدثهم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة، وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقا ثم مات أو قتل فله أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغر ما كانت، لونها كالزعفران وريحها كالمسك، ومن جرح جرحا في سبيل الله، فعليه طابع الشهداء» قال أبي: وقال حجاج، وروح: كأعز. وقال عبد الرزاق: كأغر «وهذا الصواب إن شاء الله»
الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ مِن أفضَلِ الأعمالِ عِندَ اللهِ تعالى؛ لِما فيه مِن إعلاءِ كَلِمةِ اللهِ تعالى ونَشرِ دينِه، وبَذلِ النَّفسِ والمالِ في سَبيلِ اللهِ تعالى، وقد جاءَتِ الآياتُ والأحاديثُ الكَثيرةُ في بَيانِ فضلِه وفَضلِ المُجاهدينَ
ومِن ذلك ما جاءَ في هذا الحَديثِ: أنَّ مَن قاتَلَ في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، أي: في الجِهادِ في مُحارَبةِ الكُفَّارِ، مِن رَجُلٍ مُسلِمٍ، هذا مَخصوصٌ بالمُسلمِ، فُواقَ ناقةٍ -وهو قَدرُ وزَمَنُ ما بَينَ الحَلبَتَينِ مِنَ النَّاقةِ؛ فإنَّ النَّاقةَ تُحلَبُ، ثُمَّ تُترَكُ سُوَيعةً يَرتَضِعُها ولَدُها لتَدرَّ، ثُمَّ تُحلَبُ مَرَّةً ثانيةً، ويُحتَمَلُ أن يَكونَ ما بَينَ الغَداةِ إلى المَساءِ؛ لأنَّ النَّاقةَ تُحلَبُ في وقتِ الغَداةِ، ثُمَّ في وقتِ المَساءِ، أو تُحلَبُ في وقتِ المَساءِ، ثُمَّ إلى المَساءِ الآخَرِ. ويُحتَمَلُ أن يَكونَ ما بَينَ أن يُحلَبَ في إناءٍ فامتَلَأ، ثُمَّ يُحلَبُ في إناءٍ آخَرَ في ذلك الوقتِ، فيَكونُ الفُواقُ الزَّمانَ الذي فُرِغَ في مَلءِ الإناءِ، ثُمَّ الحَلبِ إلى إناءٍ آخَرَ. ويُحتَمَلُ أن يَكونَ ما بَينَ رَفعِ اليَدِ عنِ الضَّرعِ حالَ الحَلبِ ووضْعِها، كُلُّ ذلك مُحتَمِلٌ- وجَبَت له الجَنَّةُ، أي: التي أعَدَّها اللهُ للمُجاهِدينَ، أو وجَبَ له دُخولُ الجَنَّةِ مَعَ السَّابقينَ. والمَعنى: أنَّ مَن قاتَلَ في سَبيلِ اللهِ ولَو كان قِتالُه وخُروجُه في سَبيلِ اللهِ قَليلًا جِدًّا بمِقدارِ فُواقِ النَّاقةِ، فإنَّه يَستَحِقُّ بذلك الجَنَّةَ. ومَن سَألَ اللَّهَ القَتلَ مِن عِندِ نَفسِه صادِقًا ثُمَّ ماتَ أو قُتِلَ فلَه أجرُ شَهيدٍ، أي: مَن طَلَبَ مِنَ اللهِ تعالى ودَعاه بأن يُقتَلَ في سَبيلِه وهو صادِقٌ في دُعائِه مُخلِصٌ في ذلك، ثُمَّ لَم يَتَيَسَّرْ له الجِهادُ، فماتَ على فِراشِه أو قُتِلَ في غَيرِ الجِهادِ، فإنَّه يَنالُ بذلك أجرَ الشَّهيدِ بسُؤالِه الشَّهادةَ، وإن لَم تَحصُلْ له. ومَن جُرِحَ جُرحًا في سَبيلِ اللهِ، أي: أُصيبَ في بَدَنِه في الجِهادِ، أو نُكِبَ نَكبةً. وهو ما يَنالُه ويُصيبُه مِنَ الحِجارةِ. وقيلَ: الجُرحُ: ما يَكونُ مِن رَميِ الكُفَّارِ، والنَّكبةُ: الجِراحةُ التي أصابَته مِن وُقوعِه مِن دابَّةٍ، أو وقَعَ عليه سِلاحُ نَفسِه. فإنَّها، أي: الجُرحَ أوِ النَّكبةَ، تَجيءُ يَومَ القيامةِ، كَأغزَرِ ما كانت، أي: أنَّها تَأتي تَسيلُ دَمًا غَزيرًا كَأكثَرِ ما كانت عليه في الدُّنيا يَومَ طُعِن، لَونُها، أي: النَّكبةِ أوِ الجُرحِ، كالزَّعفرانِ، أي: أحمَرُ، فالزَّعفرانُ نَباتٌ لَونُه أحمَرُ، وريحُها كالمِسكِ. وفي رِوايةٍ أُخرى: لَونُه لَونُ الدَّمِ وريحُه ريحُ المِسكِ. والمَعنى: أنَّ لَونَه يَكونُ كالزَّعفرانِ، ولَكِنَّ رائِحَتَه مِثلُ رائِحةِ المِسكِ، فيُجازيه اللهُ تعالى بأن يَجعَلَ رائِحةَ دَمِه الكَريهةَ في الدُّنيا كَريحِ المِسكِ في الآخِرةِ، والحِكمةُ في بَعثِه كذلك أن يَكونَ مَعَه شاهِدٌ بفضيلَتِه ببَذلِه نَفسَه في طاعةِ اللهِ تعالى. ومَن جُرِحَ جُرحًا في سَبيلِ اللهِ فعليه طابَعُ الشُّهَداءِ، أي: خَتمُهم، يُريدُ به عَلامةَ الشُّهَداءِ وأمارَتَهم؛ ليُعلَمَ أنَّه سَعى في سَبيلِ اللهِ تعالى، وليُعطى أجرَ المُجاهدينَ
وفي الحَديثِ فَضلُ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ
وفيه عَظيمُ أجرِ الشَّهيدِ في سَبيلِ اللهِ
وفيه أنَّ الصَّادِقَ في طَلَبِ الشَّهادةِ يُعطيه اللهُ أجَرَ الشَّهيدِ
وفيه أنَّ الشَّهيدَ يُبعَثُ على حالِه التي قُبِضَ عليها وهَيئَتِه