‌‌ذكر الإخبار بأن المرء المسلم ينفعه إخلاصه حتى يحبط ما كان قبل الإسلام من السيئة وأن نفاقه لا تنفعه معه الأعمال الصالحة125

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر الإخبار بأن المرء المسلم ينفعه إخلاصه حتى يحبط ما كان قبل الإسلام من السيئة وأن نفاقه لا تنفعه معه الأعمال الصالحة125

أخبرنا الفضل بن الحباب قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رجل يا رسول الله أيؤاخذ الله أحدنا بما كان يعمل في الجاهلية قال "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر" 1. [3: 65]

اللهُ عَزَّ وجَلَّ واسِعُ الرَّحمةِ، جَزيلُ العَطاءِ لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا، فمهْما بَلَغتْ ذُنوبُ العَبدِ وكَثُرتْ خَطاياهُ وكان كافِرًا، ثمَّ أسْلَمَ؛ غَفَر له ذُنوبَه وتابَ اللهُ عليه، فالإسلامُ يُسقِطُ ما قَبْلَه مِنَ الذَّنُوب، وهذا بِشَرْطِ أنْ يكونَ قدْ أسْلَمَ الإنسانُ إسلامًا حَقيقيًّا، وهذا ما أجابَ به النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ حِينما سَألَه الرَّجلُ: أَنُحاسَبُ بما عَمِلْنا مِن ذُنوبٍ في الجاهليَّةِ؟ وهي فترةُ ما قبل الإسلامِ، فأجابه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ مَنْ أحسَنَ في الإسلامِ بالمحافظةِ على أركانِه، والقيامِ بِشرائطهِ، وأن يُسلِمَ بقَلْبِه وجوارِحِه؛ فهذا الذي يُغفَرُ له ذَنبُه، ولا يُؤاخَذُ بما عَمِلَ في الجاهليَّةِ، ولا يُحاسَبُ عليه.
وقَولُه: «ومَن أساءَ في الإسْلامِ أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ» أي: ومَنْ أساءَ في الإسلامِ، فكَفَر باللهِ مرَّةً أُخرى بعد أن هداه للحَقِّ؛ فإنَّه يُؤخَذُ ويحاسَبُ بِكلِّ كُفْرٍ سلَفَ له في الجاهليَّةِ، وبكُلِّ ذنبٍ فَعَله في الإسلامِ، فكأنَّه لم يُسلِمْ، فيعاقَبُ على جميعِ ما أسلَفَه، ويحتَمِلُ تأويلُه: أنَّه يُؤخَذُ بما جناه في الإسلامِ من المعصيةِ، ويُعيَّرُ بما كان منه في الكُفرِ ويُبَكَّتُ به، كأنَّه يقالُ له: أليس قد فعلتَ كيتَ وكيتَ وأنت كافِرٌ؟ فهلَّا منَعَك إسلامُك من معاودةِ مِثْلِه إذ أسلَمْتَ؟! ثمَّ يُعاقَبُ على قَدْرِ ما يستحِقُّه من المعصيةِ التي اكتسَبَها في الإسلامِ، ولا يُعاقَبُ عقوبةَ الكُفَّارِ؛ لأنَّ المسلِمَ لا يُخلَّدُ في النَّارِ، والكافِرُ مخلَّدٌ فيها أبدًا.