‌‌ذكر الإخبار عما وعد الله جل وعلا المؤمنين في العقبى من الثواب على أعمالهم في الدنيا100

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر الإخبار عما وعد الله جل وعلا المؤمنين في العقبى من الثواب على أعمالهم في الدنيا100

أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا روح بن عبادة قال حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك في قوله {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 1، 2] قالذكر الإخبار عما وعد الله جل وعلا المؤمنين في العقبى من الثواب على أعمالهم في الدنيا

 كانَ صُلحُ الحُدُيَبيَةِ فَتحًا مِنَ اللهِ لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ نَتائِجَه كانت مُثمِرةً للإسْلامِ والمُسلِمينَ.

وفي هذا الحَديثِ يُفسِّرُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه قولَ اللهِ تعاَلى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]، فقال: الحُدَيْبيَةُ، أيِ: الفَتحُ والصُّلحُ الواقِعُ فيها؛ لِمَا آلَ فيه منَ المَصْلَحةِ التَّامَّةِ العامَّةِ، وسُمِّيَ ما وقَعَ في الحُدَيْبيَةِ فَتحًا؛ لأنَّهُ كان مُقدِّمةَ الفَتحِ وأوَّلَ أسْبابِه؛ وذلك لأنَّ المُشرِكينَ اختَلَطوا بالمُسلِمينَ، فسَمِعوا كَلامَهم، فتمَكَّنَ الإسْلامُ في قُلوبِهم، وأسْلَمَ في ثَلاثِ سِنينَ خَلقٌ كَثيرٌ، وكثُرَ سَوادُ الإسْلامِ، وكان صُلحُ الحُدَيْبيَةِ في العامِ السَّادِسِ مِنَ الهِجْرةِ، والحُدَيْبيَةُ اسمُ مِنطَقةٍ على بُعدِ 35 كيلومترًا من مكَّةَ. فقال أصْحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هَنيئًا» لا إثْمَ فيه، «مَريئًا» لا داءَ فيه ولا نصَبَ، وصادَفْتَ عَيشًا هَنيئًا مَريئًا يَا رَسولَ اللهِ؛ لقولِ اللهِ تعالَى له: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 2]، فأيُّ شَيءٍ لنا مِن الأجْرِ في الآخِرةِ، فأنزَلَ اللهُ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الفتح: 5]. وأخبَرَ شُعْبةُ بنُ الحَجَّاجِ أحَدُ رُواةِ الحَديثِ: أنَّه ذهَبَ إلى الكوفةِ فحَدَّثَ بهذا الحَديثِ كُلِّه عن قَتادةَ بنِ دِعامةَ، عن أنسٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلى قَتادةَ، فذكَرَ ذلك لهُ، فقال: أمَّا تَفْسيرُ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} بالحُدَيْبيَةِ، فرَوَيْتُه عَن أنَسٍ، وأمَّا «هَنيئًا مَريئًا» فرَوَيْتُه عَن عِكْرمةَ، وحاصِلُه: أنَّه رَوى بَعضَ عَن الحديثِ عن أنسٍ، وبَعْضَه الآخَرَ عن عِكرمةَ.

وفي الحديثِ: أنَّ اللهَ تعالى بشَّرَ المُؤمِنينَ بما وعَدَهم به في الجنَّةِ.

 وفيه: بَيانُ تَحرِّي عُلماءِ السُّنَّةِ لضبْطِ رِوايةِ الأحاديثِ.