‌‌ذكر العلة التي من أجلها قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه"15

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر العلة التي من أجلها قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه"15

أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال حدثنا إسحاق بن سويد الرملي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن"1. [27:1]

من رَحْمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّه أنْزَلَ القُرآنَ الكريمَ على أَحْرُفٍ وقِراءاتٍ كُلُّها عَربيةٌ؛ تَخْفيفًا وتَيْسيرًا وتَسْهيلًا على المُسلِمينَ.

 وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أُنزِلَ القُرآنُ على سَبْعةِ أَحْرُفٍ"، أي: أُنزِلَ على سَبْعةِ أَوْجُهٍ، وسَبعِ لَهَجاتٍ، وقيل: سَبْعةِ قِراءاتٍ، وقيل: سَبْعةِ أحْكامٍ، فأيُّ وَجْهٍ يُقرَأُ به، فهي مَقْبولةٌ إنْ شاءَ اللهُ تَيْسيرًا وتَخْفيفًا لأُمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس المُرادُ أنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ وكُلَّ جُمْلةٍ مِنَ القُرآنِ تُقرَأُ على سَبْعةِ أَوْجُهٍ، بلِ المُرادُ أنَّ غايةَ ما انْتَهى إليه عَدَدُ القِراءاتِ في الكَلِمةِ الواحِدَةِ إلى سَبْعةٍ، فإنْ قيل: فإنَّا نَجِدُ بعْضَ الكَلِماتِ يُقرَأُ على أَكْثَرَ من سَبْعةِ أَوْجُهٍ، فالجوابُ أنَّ غالبَ ذلك إما لا يُثبِتُ الزِّيادَةَ، وإما أنْ يكونَ من قَبيلِ الاخْتِلافِ في كَيفيَّةِ الأداءِ، كما في المَدِّ والإمالَةِ ونَحْوِهما، "لكُلِّ آيَةٍ منها ظَهْرٌ وبَطْنٌ" الظَّهْرُ: لَفظُ القُرْآنِ، والبَطْنُ: تَأويلُه، وقيل: ظَهْرُها ما ظَهَرَ منها من مَعانيها، وبَطْنُها ما خَفيَ وأَشْكَلَ، واحْتاجَ إلى فِكرٍ وفَهمٍ تامٍّ من استِخراجِ مَعانيها، وقيل: ظَهْرُها: قَصَصُها، وبَطْنُها: الاعتبارُ والاتِّعاظُ بها، والتَّحذيرُ أنْ يَفعَلَ أحَدٌ مِثلَ فِعلِهم، وقيل: ظاهِرُه التَّنْزيلُ الذي يَجِبُ الإيمانُ به، وباطِنُه وُجوبُ العَمَلِ به، وقولُه: "ولكُلٍّ حَدٌّ ومَطلَعٌ" والحَدُّ: المَوضِعُ الذي إذا انْتُهي إليه يُمنَعُ عن مُجاوزَتِه، وقيل: المُرادُ: ما بُيِّنَ لنا ومُنِعْنا أنْ نُخالِفَه ونُجاوِزَه من الحَلالِ والحَرامِ، وقيل: لِكُلِّ حَرفٍ حَدٌّ في التِّلاوَةِ يَنْتَهي إليه، فلا يُجاوَزْ ولا يَجوزُ مُخالفتُها؛ مِثلُ: عَدَمِ جَوازِ إبْدالُ حَرْفٍ بِحَرْفٍ إلَّا ما جاز في القِراءَةِ، وكذَلِكَ في التَّفْسيرِ؛ ففي التِّلاوَةِ لا يُجاوِزُ المُصْحَفَ الذي هو الإمامُ، وفي التَّفْسيرِ لا يُجاوِزُ المَسْموعَ، وقيل: الحَدُّ: الفَرائِضُ والأحْكامُ، والمَطلَعُ ثَوابُه وعِقابُه، وقيل: المَطلَعُ: هو الفَهْمُ، وقد يَفتَحُ اللهُ على المُتَدبِّرِ والمُتَفكِّرِ فيه من التَّأْويلِ والمعاني ما لا يَفْتَحُه على غيْرِه .