مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 19

مسند احمد

مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 19

حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن زياد الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال سمعت أبا بكر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعمل سوءا يجز به في الدنيا»

 الحِسابُ في الآخِرةِ يَكونُ على قَدْرِ عَمَلِ كُلِّ إنْسانٍ مِن الأعْمالِ الصَّالحةِ، أو السَّيِّئةِ، ولكنَّ اللهَ رَحيمٌ بعِبادِهِ المُؤمِنينَ، ويَتَفضَّلُ عليهم في الدُّنْيا والآخِرةِ؛ فيُحاسِبُهم حِسابًا يَسيرًا
 وفي هذا الحَديثِ تَرْوي التَّابِعيَّةُ أُميَّةُ بنتُ عبدِ اللهِ أنَّها سَألَتْ عائشةَ أُمَّ المؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها، عن مَعْنى هذه الآيةِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، والمَعْنى: ما مِن ذَنْبٍ يَفعَلُه الإنْسانُ إلَّا ويُحاسِبُه به اللهُ عزَّ وجلَّ، فقالت لها عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: «ما سَأَلَني عن هذه الآيةِ أحدٌ منذُ سألْتُ عنها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، عن مَعْناها وتَأْويلِها، «فقال: يا عائشةُ، هذه مُتابَعةُ اللهِ للعَبدِ»، حيث يُتابِعُ ربُّنا سُبحانَه أعْمالَ العبدِ، فيُطهِّرُه مِن ذُنوبِه في الدُّنْيا قبْلَ الآخِرةِ، فالمُسلِمُ تُصيبُه النَّكْبةُ ممَّا يُصيبُ الإنْسانَ مِن الحَوادثِ، حتَّى الشَّوكَةُ، وحتَّى البِضاعةُ -والمُرادُ بها: الجُزءُ منَ المالِ- يضَعُها الرَّجلُ في كُمِّ قَميصِه، كما في رِوايةِ التِّرْمِذيِّ، فعندَ تَفقُّدِه لهذا المالِ لا يجِدُه، فيَظُنُّ ضَياعَ هذا المالِ؛ فيَفزَعُ لعَدمِ وُجودِه في كُمِّه؛ لأنَّه تحرَّكَ مِن كُمِّه إلى جَيبِه -وهو مَوضِعُ الصَّدرِ مِنَ الثِّيابِ- فيَجِدُه في جَيبِه، ولم يَفقِدْه، وفي هذا بَيانُ أنَّ مُجرَّدَ هذا الفَزعِ هو مِن العِقابِ الَّذي يُطهِّرُ اللهُ به عبْدَه في الدُّنْيا. فيَجعَلُ اللهُ تلك المَصائبَ والمَخاوِفَ في مُقابَلةِ سُوءِ عَمَلِه، وتَكونُ هذه الأُمورُ كَفَّاراتٍ للذُّنوبِ، حتَّى إنَّ المؤمِنَ لَيَخرُجُ مِن ذُنوبِه، ويُطهِّرُه اللهُ منها، كما يَخرُجُ خامُ الذَّهبِ الأحمَرِ صافيًا نَقيًّا بعْدَ أنْ يَدخُلَ في النَّارِ، فيَتخلَّصَ ممَّا عَلِقَ به مِن الشَّوائبِ، ثُمَّ تَنالُ رَحْمةُ اللهِ العبدَ في الآخِرةِ. وقيلَ: إنَّها آيةٌ عامَّةٌ للمُسلِمِ والكافِرِ؛ فمَن يَعمَلْ سُوءًا يُجْزَ به، سَواءٌ كان مُسلِمًا أو كافِرًا؛ لقَولِه قَبلَها: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ}، وقيلَ: هي عامَّةٌ في حقِّ المُسلمِينَ، فكلُّ مَن عمِل مِنهُم سُوءًا يُجْزى به، إلَّا أنْ يَتوبَ قبْلَ أنْ يَموتَ، وقيلَ: هي في حقِّ الكُفَّارِ خاصَّةً، بدَليلِ قَولِه تعالى: {وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123]، وهذا هو الكافِرُ، وأمَّا المُؤمِنُ فله وَلِيٌّ ونَصيرٌ
وفي الحَديثِ: بَيانُ سَعةِ رَحْمةِ اللهِ بعِبادِه المُؤمِنينَ
 وفيه: دَعْوةٌ إلى الصَّبرِ على بَلاءِ الدُّنْيا؛ فإنَّه مِن المُكفِّراتِ