مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 18

مسند احمد

مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 18

حدثنا أبو اليمان، قال أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني رجل من الأنصار، من أهل الفقه، أنه سمع عثمان بن عفان رحمه الله يحدث، أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنوا عليه، حتى كاد بعضهم يوسوس، قال عثمان: وكنت منهم فبينا أنا جالس في ظل أطم من الآطام مر علي عمر، رضي الله عنه، فسلم علي، فلم أشعر أنه مر ولا سلم، فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر، رضي الله عنه، فقال له: ما يعجبك أني مررت على عثمان فسلمت عليه، فلم يرد علي السلام؟ وأقبل هو وأبو بكر في ولاية أبي بكر، رضي الله عنه، حتى سلما علي جميعا، ثم قال أبو بكر: جاءني أخوك عمر، فذكر أنه مر عليك، فسلم فلم ترد عليه السلام، فما الذي حملك على ذلك؟ قال: قلت: ما فعلت، فقال عمر: بلى والله لقد فعلت، ولكنها عبيتكم يا بني أمية، قال: قلت: والله ما شعرت أنك مررت بي، ولا سلمت، قال أبو بكر: صدق عثمان، وقد شغلك عن ذلك أمر؟ فقلت: أجل، قال: ما هو؟ فقال عثمان: رضي الله عنه: توفى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن نسأله عن نجاة هذا الأمر، قال أبو بكر: قد سألته عن ذلك، قال: فقمت إليه [ص:202] فقلت له: بأبي أنت وأمي، أنت أحق بها، قال أبو بكر: قلت: يا رسول الله ما نجاة هذا الأمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قبل مني الكلمة التي عرضت على عمي، فردها علي، فهي له نجاة»

كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عَنهم يَحرِصون حِرصًا شَديدًا على النَّجاةِ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ فكانوا يَسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن أسبابِ النَّجاةِ والفَلاحِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُرشِدُهم ويَدُلُّهم إلى طريقِ الخيرِ والنَّجاةِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ عُقبةُ بنُ عامرٍ رضِيَ اللهُ عَنه: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ؟"، أي: ما أسبابُ النَّجاةِ والفلاحِ في الدُّنيا والآخرةِ، وكيف أتَحصَّلُ عليهما وأَنْجو بنَفْسي؟ "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أمسِكْ عليك لِسانَك"، أي: كُفَّ لِسانَك واحْبِسْه واحْفَظْه عن قولِ كلِّ شرٍّ، ولا تَنطِقْ إلَّا بخيرٍ، وقد قال اللهُ تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]؛ وذلك لِما للِّسانِ مِن خُطورةٍ، وفي صحيحِ البخاريِّ: "إنَّ العبدَ ليَتكلَّمُ بالكلمةِ مِن سَخطِ اللهِ لا يُلْقي لها بالًا يَهوي بِها في جهَنَّمَ"، وقد يَخرُجُ الإنسانُ مِن الدِّينِ بكَلمةٍ وهو لا يَدْري
وَلْيَسَعْك بيتُك"، أي: لِيَكُنْ في بيتِك سَعَتُك والْزَمْ بيتَك لِتَعبُدَ اللهَ في الخَلَواتِ، واشتَغِلْ بطاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واعتَزِلْ في بَيتِك عن الفِتَنِ، ‏وقيل في مَعْناه: ارْضَ بما قسَم اللهُ لك مِن الزَّوجةِ والولَدِ والرِّزقِ والسَّكنِ، وغَيرِ ذلك مِن مَتاعِ الدُّنيا، وانظُرْ إلى مَن هو أعلى مِنك في أمرِ الدِّينِ، وإلى مَن هو أدنى مِنك في أمرِ الدُّنيا؛ لئلَّا تَزدَرِيَ نعمةَ اللهِ عليك، فهذا أسلَمُ لك"وابْكِ على خَطيئتِك"، أي: واندَمْ على ما ارتكَبتَ مِن ذنوبٍ، وابكِ بكاءً حقيقيًّا؛ تصديقًا لتوبتِك وإنابتِك، ثمَّ اشتَغِلْ بإصلاحِ نفسِك وتَهذيبِها
وفي الحديثِ: بيانُ أسبابِ النَّجاةِ والفلاحِ في الدُّنيا والآخرةِ