مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 197

مسند احمد

مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 197

 حدثنا يزيد، أخبرنا همام بن يحيى، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: حدثني شيبة الخضري، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فحدثنا عروة بن الزبير، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث أحلف عليهن، لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة، والصوم، والزكاة، ولا يتولى الله عز وجل عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله عز وجل معهم، والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم: لا يستر الله عز وجل عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة " فقال عمر بن عبد العزيز: إذا سمعتم مثل هذا الحديث من مثل عروة [ص:56] يرويه عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فاحفظوه

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدُ أصحابَه إلى ما فيه الخَيرُ والمَنفَعةُ في الدُّنيا والآخِرةِ

ومن ذلك ما جاء في هذا الحَديثِ، حيثُ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ثَلاثٌ أحلِفُ عليهِنَّ" وذلك بَيانٌ لِأهمِّيَّتِهِنَّ والحِرصِ عليهِنَّ، وإخبارُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحَلِفِ لِلتَّأكيدِ على حَقيقَتِهِنَّ ووقوعِهِنَّ؛ لِإعلامِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ له بهِنَّ، "لا يَجعَلُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مَن له سَهمٌ في الإسلامِ كمَن لا سَهمَ له" والسَّهمُ: النَّصيبُ والحَظُّ، والمُرادُ مَن له شَيءٌ مِن أفعالِه المَعنيَّةِ مِن أسهُمِه الآتيةِ في قَولِه: "وأسهُمُ الإسلامِ ثَلاثةٌ: الصَّلاةُ" والمُرادُ: الفَرَائِضُ الخَمسُ، ويَشمَلُها ما كان منها تَطوُّعًا؛ كالسُّنَنِ الرَّواتِبِ، وقيامِ اللَّيلِ، "والصَّومُ" وهو المَفروضُ منه؛ كرَمَضانَ، والكَفَّاراتِ، والنُّذورِ، وما كان تَطوُّعًا، "والزَّكاةُ" ما كان منها زكاةً مَفروضةً مِن زَكاةِ مالٍ أو فِطرٍ، ثم يَدخُلُ فيها ما كان تَطوُّعًا، والمَعنى: أنَّ اللهَ تَعالى لا يُسَوِّي بَينَ مَن أتى بالثَّلاثةِ أو بأحَدِها، وبَينَ مَن لم يأتِ بشَيءٍ منها. وجَعَلَ أسهُمَ الإسلامِ ثَلاثةً، شَمِلتْ ثَلاثةً مِن أركانِ الدِّينِ، ولم يَذكُرِ الحَجَّ والشَّهادةَ؛ أمَّا الشَّهادةُ فلعلَّ ذلك لِتَضمُّنِ (الصَّلاةِ) لها، وأمَّا الحَجُّ؛ فلعلَّ ذلك لأنَّ الحجَّ لا يَجِبُ إلى على المستطيعِ فقطْ، أو لِنُدرةِ الإتيانِ به، فإنَّه يُؤَدَّى مَرَّةً في العُمُرِ، بخِلافِ هذه الثَّلاثةِ؛ فهي أُمَّهاتُ أسهُمِ الإسلامِ

والخَصلةُ الثانيةُ: "ولا يَتوَلَّى اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَبدًا في الدُّنيا" فيَحفَظُه ويَرعاه ويُوَفِّقُه إلى فِعلِ الخَيراتِ وتَركِ المُنكَراتِ "فيُولِّيه غَيرَه يَومَ القِيامةِ"، أي: فلا يَكِلُ أمْرَه إلى غَيرِه مِنَ الخَلقِ، بل يَتوَلَّاه اللهُ في الآخِرةِ بالمُكافأةِ، ولا يَكِلُه إلى شَفاعةِ شافِعٍ ولا غَيرِه، فكما تَوَلَّاه في الدُّنيا، التي هي مَزرَعةُ الآخِرةِ، يَتوَلَّاه يَومَ القيامةِ، ولا يَكِلُه إلى غَيرِه

 والخَصلةُ الثالِثةُ: "ولا يُحِبُّ رَجُلٌ قَومًا" في الدُّنيا "إلَّا جَعَلَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ معهم" فحَشَرَه اللهُ معهم في الآخِرةِ، سواءٌ كانوا أخيارًا أم أشرارًا، وذلك أنَّه لا يُحِبُّ أحَدٌ أحَدًا إلَّا لِمَحبَّةِ ما اتَّصَفَ به مِن خَيرٍ أو شَرٍّ؛ فتَجلِبُه مَحَبَّتُه إلى الاتِّصالِ بهم

والخَصلةُ الرابِعةُ: "لو حَلَفتُ عليها" كما حَلَفتُ على تلك الثَّلاثةِ، قيل: في هذه الصِّيغةِ دَلالةٌ على تَقديرِ القَسَمِ، وأنَّ المَذكوراتِ جَوابٌ له، حيثُ لم يَقُلْ: لو أحلِفُ عليها، "رَجَوتُ" وأمَّلتُ مِنَ اللهِ "ألَّا آثَمَ" فلا يَلحَقَني إثْمٌ بسَبَبِ حَلِفي عليها، وذلك لِأنَّ الحَلِفَ على الأمْرِ المَظنونِ يُخافُ منه الإثْمُ، وهذا الأمْرُ بَيَّنَه بقَولِه: "لا يَستُرُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَبدًا في الدُّنيا" بمَعنى أنَّه سُبحانَه يَطَّلِعُ عليه بمَعصيةٍ فيَستُرُه عن عِبادِه ولا يَكشِفُه لهم "إلَّا سَتَرَه يَومَ القِيامةِ" بمَغفِرةِ ذُنوبِه، وعَدَمِ عُقوبَتِه على ذَنبِه، ووَجْهُ رَجائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه تَعالى ما سَتَرَ عَبدَه في الدُّنيا إلَّا كَرَمًا له ورِفقًا به ورَحمةً له، وهو تَعالى في الآخِرةِ مُتَّصِفٌ بهذه الصِّفاتِ مِنَ الرَّحمةِ والمَغفِرةِ على أتَمِّ وُجوهِها. فقالَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ: إذا سَمِعتُم مِثلَ هذا الحَديثِ مِن مِثلِ عُروةَ يَرويه عن عائِشةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاحفَظوه"؛ وهذا لِأنَّه حَديثٌ مَوثوقٌ بسَنَدِه ومَعناه

وفي الحَديثِ: أهمِّيَّةُ فَرائِضِ الإسلامِ، وعظيمُ مَنزلةِ الصَّلاةِ والزكاةِ والصِّيامِ

وفيه: حَثٌّ وتَرغيبٌ على حُبِّ الأخيارِ، ومُصاحَبَتِهم، والعَمَلِ بعَمَلِهم

وفيه: التَّحذيرُ مِن كَشفِ سَترِ اللهِ على عَبدِه حتى لا يَستَمِرَّ في المَعصيةِ