مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم 28
مسند احمد

حدثنا إسماعيل، أخبرنا أبو التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بثماني عشرة بدنة مع رجل، فأمره فيها بأمره، فانطلق ثم رجع إليه، فقال: أرأيت إن أزحف علينا منها شيء؟ فقال: " انحرها، ثم اصبغ نعلها في دمها، ثم اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت، ولا أحد من أهل رفقتك " (1)
الهَدْيُ اسمٌ لِما يُهدى ويُذبَحُ في الحرَمِ مِن الإبلِ والبقَرِ والغنَمِ والمَعْزِ، وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو قَبيصةَ ذُؤيبُ بنُ حَلْحَلةَ الخُزاعيُّ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يَبعَثُ مَعه بالبُدْنِ -وهي الأنعامُ الَّتي تُهْدى إلى بيتِ اللهِ الحرامِ- ثُمَّ يقولُ لَه: «إنْ عَطِبَ مِنها شَيءٌ»، أي: أصابه أمرٌ مِن مرَضٍ أو تعَبٍ يَغلِبُ معه هَلاكُها وموتُها قبْلَ وُصولِها إلى مَوضعِ الذَّبحِ، «فانْحَرْها» واذْبَحْها في مَكانِها، «ثُمَّ اغمِسْ نَعْلَها» المُقلَّدَةَ بها في دَمِها، «ثُمَّ اضرِبْ» بهذا النَّعلِ المُلطَّخِ بالدَّمِ على صَفحتِها، أي: اجعَلِ النَّعلينِ على جانبِ سَنامِ البُدنِ؛ ليكونَ ذلك عَلامةً مَعروفةً؛ لكيْ يَعرِفَها مَن يمُرُّ بها، فمَن جاء بعْدَهم يَنظُرُ إليها ويَعرِفُ أنَّها هدْيٌ، وقد عَطِب، فيَأكُلُ منها دونَ حرَجٍ، فلا يَحسَبُها مَيتةً؛ وذلك أنَّ الطُّرقَ الَّتي يَسلُكُها النَّاسُ في أسفارِهم كانت مَعروفةً مِن قِبَلِ غيرِهم، وأيضًا فإنَّ العادةَ الغالبةَ أنَّ ساكِنِي الصَّحراءِ -البَدْو- وغيرَهم، يَتَّتبعون مَنازلَ الحجيجِ لالتقاطِ ما خلَّفوه في أماكنِ راحتِهم، «وَلا تَطعَمْها أنت ولا أَحدٌ مِن أهلِ رُفْقتِك»، أي: لا يَأكُلْ منها، سَواءٌ كان فَقيرًا أو غَنيًّا، وفي هذا قطْعُ الذَّريعةِ؛ لئلَّا يَتوصَّلَ بعضُ النَّاس إلى نحْرِ الهدْيِ، أو تَعييبِه قبْلَ أوانِه.
وفي الحَديثِ: التَّرغيبُ في بَعثِ الهَدايا إلى مكَّةَ، والتَّوكيلُ فيها إنْ لم يَذهَبْ بنفْسِه.