‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم236

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم236

حدثنا يونس، وحسن، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن كريب بن أبي مسلم عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة بنت الحارث، فقام يصلي من الليل، قال: فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأقامني عن يمينه، ثم صلى، ثم نام حتى نفخ، ثم جاءه بلال بالأذان، فقام فصلى ولم يتوضأ " - قال حسن: - يعني في حديثه - " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، في بيت ميمونة، فلما قضى صلاته نام حتى نفخ " (1)

كان صَحابةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَحرِصون على مَعرفةِ تَفاصيلِ عِبادتِه، ويَسألُون عمَّا لا يَرَوْنه مِمَّا كان يَتعبَّدُ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بَيتِه، وكان بعضُهم يَتحرَّى مَعرفةَ ذلك بما لهمْ مِن صِلاتٍ وقَرابةٍ مع النَّبيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِن هؤلاء عبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ ابنُ عَمِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وابنُ أُختِ زَوجتِه مَيْمُونَةَ رَضِي اللهُ عنهم.

 وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما أنَّه باتَ عندَ خالتِه مَيْمُونَةَ زوجةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكان هذه ليلتَها الَّتي يَبِيتُ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عندها، فاستَيْقَظ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعْدَ أنْ نام جُزءًا مِن اللَّيلِ، فتَوضَّأ مِن شَنٍّ، وهو وِعاءٌ مِن الجِلْدِ يُوضَع فيه الماءُ، وكان وُضوءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في هذه المَرَّةِ وُضوءًا خَفيفًا. وقولُه: «وَصَفَ وُضُوءَهُ، وَجَعَلَ يُخَفِّفُه ويُقَلِّلُه» هو مِن كَلامِ سُفيانَ بنِ عُيَينةَ، كما في صَحيحِ البُخاريِّ، يُخبِرُ أنَّ شَيخَه عمْرَو بنَ دِينارٍ وصَفَ وُضوءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بأنَّه خَفيفٌ وقليلٌ، والمعنى: أنَّه يُريدُ بالتَّخفيفِ تَمامَ غَسلِ الأعضاءِ دونَ التَّكثيرِ مِن إمرارِ اليَدِ عليها، وذلك أدْنى ما تُجزِئُ الصَّلاةُ به. وفي الصَّحيحينِ: «ثمَّ تَوضَّأَ وُضوءًا حَسنًا بيْن الوُضوءينِ»، أي: تَوضَّأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وُضوءًا بيْن الخفيفِ والكاملِ، والأقربُ أنَّه قلَّل استعمالَ الماءِ مع التَّثليثِ؛ لأنَّه وصَفَه بالحُسنِ، فلا يكونُ أقلَّ مِن الثَّلاثِ.

فقام عبدُ اللهِ فصَنَع مِثلَ ما صنَع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن الوُضوءِ الخفيفِ والاستعدادِ للصَّلاةِ، ثمَّ جاء فدخَلَ في الصَّلاةِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ووقَفَ عن يَسارِه، فأخَذَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بيَدِه مِن خلْفِ ظَهرهِ وأوقَفَه عن يَمينِه في الصَّلاةِ، وهذا بيانٌ وتَأكيدٌ لموقِفِ الإمامِ والمأمومِ في صَلاةِ الاثنينِ جماعةً ولو كانت نفْلًا. 

فصلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ما شاء اللهُ له مِن الصَّلاةِ، وفي الصَّحيحينِ أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صلَّى ثلاثَ عشْرةَ رَكعةً، «ثُمَّ اضْطَجَع، فنام حتَّى نَفَخ»، أي: نام حتَّى غَطَّ في النَّومِ وظَهَر صَوتُ نَفَسِه؛ مِمَّا يدُلُّ على عُمقِ النَّومِ. ثُمَّ أتاه بِلَالُ بنُ رَباحٍ رَضِي اللهُ عنه -وهو مُؤذِّنُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فأعلَمَه بدُخولِ وقتِ صَلاةِ الفَجرِ، فاستَيْقَظ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن نومِه وخرَجَ وقام لصَلاةِ الفَجرِ وصلَّاها ولم يُجدِّدْ وُضوءَه.

وعلَّل سُفْيَانُ هذا الفِعلَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال: «وهذا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم خاصَّةً؛ لأنَّه بلَغَنا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تَنامُ عَيْناه ولا يَنامُ قلبُه»، أي: هذه مَزيَّةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لا يُشارِكُه فيها أحدٌ مِن أُمَّتِه؛ أنَّه لا يَنْتقِضُ وُضوءُه إذا نام؛ لأنَّ قلْبَه لا يَنامُ. 

وفي الحديثِ: ذِكْرُ بَعضِ خَصائِصِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

 وفيه: بَياتُ الغلامِ عندَ إحدى مَحارمِه في وُجودِ زَوجِها.

وفيه: مَجِيءُ المؤذِّنِ إلى الإمامِ ليَخرُجَ إلى الصَّلاةِ.

وفيه: الجماعةُ في صَلاةِ النَّفلِ