‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم248

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم248

حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، قال: إن الله عز وجل أنزل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] و {أولئك هم الظالمون} [النور: 50] و {أولئك هم الفاسقون} [الحشر: 19] ، قال: قال ابن عباس: " أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية، حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة، فديته خمسون وسقا، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة، فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة، وذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم (1) يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه، وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وسق، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا، وفرقا منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ثم ذكرت العزيزة، فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا، وقهرا لهم، فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله عز وجل {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا} [المائدة: 41] إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47] ثم قال فيهما: والله نزلت، وإياهما عنى الله عز وجل (1)

حرَّفَ أهلُ الكتابِ مِنَ اليهودِ والنَّصارى كُتبَهمُ المُنْزَلةَ عليهم، فحَذَفوا وغيَّروا وأدْخَلوا فيها ما ليس منْها، وما بَقِيَ منه لم يَعمَلُوا به، وأخفَوْه وكتَمُوه وهمْ يَعلَمونَ.

وفي هذا الحديثِ صُورةٌ مِن صُوَرِ جُحودِ اليهودِ وكِتمانِهم ما أنْزَلَ اللهُ تعالى عليهم مِنَ التَّوراةِ؛ فيُخبرُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ جماعةً من اليهودِ -وكانوا من يهودِ خَيبرَ- جاؤوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِرجُلٍ وامرأةٍ منْهم قدْ زَنَيَا، فسألهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كيف تَفعَلونَ بِمَنْ زَنى منكم؟ فقالوا: نُحَمِّمُهما ونَضْرِبُهما، أي: نُسوِّدُ وُجوهَهما بالحُممِ -وهو الفَحْمُ- ونَضرِبُهما.

 فسألهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الرَّجمِ -ويكونُ للزَّاني المحصَنِ، وهو الذي سبق له الزَّواجُ- أليس مَكتوبًا عندكم في التَّوراةِ أنَّ مَن زَنى بعد إحصانٍ يُرجَمُ؟ فقالوا: لا نَجدُ فيها شَيئًا.

 وإنما سألهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُلزِمَهم بما يعتَقِدونَه في كتابِهم الموافِقِ لحُكمِ الإسلامِ إقامةً للحُجَّةِ عليهم، لا لتقليدِهم ومَعرفةِ الحُكمِ منهم. وكان عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رضِي اللهُ عنه مِن عُلمائِهم قبْلَ إسلامِه، فرَدَّ عليهم، وقال لهمْ: كذبْتُم، فَأْتوا بِالتَّوراةِ فَاتْلُوها إنْ كُنتُم صادقِينَ؛ فإنَّ ذلك موجودٌ فيها لم يُغَيَّرْ. فأَتَوا بالتوراةِ ونشَروها، فوضَعَ الَّذي يَدْرُسُ التَّوراةَ عندَهم -وهو عبدُ اللهِ بنُ صوريا، وكان أعلَمَ من بَقِيَ مِن الأحبارِ بالتوراةِ- كَفَّه على ما يَخُصُّ الرَّجْمَ فيها، وبدَأَ هذا الرَّجلُ يَقرَأُ ما قبْلَ آيةِ الرَّجْمِ وما بعْدَها ولا يَقرؤُها، فَأزاحَ عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رضِي اللهُ عنه يَدَه عَن آيةِ الرَّجمِ وقال له: ما هذه؟! فلمَّا رأى اليهودُ ذلك قالوا: هي آيةُ الرَّجْمِ، فَأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالرَّجلِ والمرأةِ، فَرُجِما بالقُرْبِ مِن مَوضعِ الجنائزِ عندَ المسجدِ النَّبويِّ.

 فلمَّا بدَأَ النَّاسُ بالرَّجْمِ رأى عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما الرَّجلَ الذي زنى بالمرأةِ يَحْنِي عَلَيْهَا، أي: يَميلُ ويَكُبُّ على المرأةِ؛ لِيحمِيَها مِنَ الحجارةِ.

 وفي الحديث: إقامةُ الحُدودِ على غيرِ المُسلِمين المقيمين في بلادِنا.

وفيه: أنَّ غيرَ المُسلِمين إذا تحاكَموا إلى المسلِمين حكم القاضي بينهم بحُكْمِ شَرْعِنا