‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم252

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم252

حدثنا علي بن عاصم، حدثنا داود (1) : حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، قال: " كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة " قال: فجاء غلام يوما يبكي إلى أبيه، فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي قال: الخبيث، يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبدا

الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ مِن أفضَلِ الأعمالِ عِندَ اللهِ تعالى؛ لِما فيه مِن إعلاءِ كَلِمةِ اللهِ تعالى ونَشرِ دينِه، وبَذلِ النَّفسِ والمالِ في سَبيلِ اللهِ تعالى، وقد جاءَتِ الآياتُ والأحاديثُ الكَثيرةُ في بَيانِ فضلِه وفَضلِ المُجاهدينَ، ومِنَ الأحكامِ المُتَعَلِّقةِ بالجِهادِ ما يَتَعَلَّقُ بأحكامِ الأسرى، بأن يَأسِرَ المُسلِمونَ أسرى مِنَ الكُفَّارِ، وكَذلك العَكسُ، فيُشرَعُ في مِثلِ هذه الحالِ أن يُفادَى أسرى المُسلِمينَ بأسرى مِنَ الكُفَّارِ، والمُفاداةُ: أن يُعطي فِداءَ الأسيرِ فيُنقِذَه مِنَ الأسْرِ، وقيلَ: هيَ أن يفتَكَّ الأسيرَ بأسيرٍ مِثلِ، ولَّما كانت غَزوةُ بَدرٍ في السَّنةِ الثَّانيةِ للهِجرةِ وانتَصَرَ فيها المُسلمونَ وأسَروا جَماعةً مِنَ المُشرِكينَ، فادى المُشرِكونَ أسراهم بالمالِ، فمَن دَفعَ المالَ سُلِّمَ إليه أسيرُه، وكان ناسٌ مِنَ الأسرى لَم يَكُنْ لهم فِداءٌ، فجَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فداءَهم أن يُعَلِّموا أولادَ الأنصارِ الكِتابةَ، أي: مَن أرادَ أن يَفديَ نَفسَه مِنَ الأسرِ وليس لَدَيه مالٌ، فعليه بَدَلَ ذلك تَعليمُ أولادِ الأنصارِ كَيفيَّةَ القِراءةِ والكِتابةِ. فجَعَلَ الأسرى يُعَلِّمونَ أولادَ الأنصارِ، فجاءَ غُلامٌ مِنَ الأنصارِ يَومًا يَبكي إلى أبيه، فقال له أبوه: ما شَأنُك؟ أي: لماذا تَبكي؟ قال الغُلامُ: ضَرَبَني مُعَلِّمي، أي: أنَّ الأسيرَ ضَرَبَ الولَدَ، فقال الأبُ: الخَبيثُ! يَقصِدُ به الأسيرَ المُشرِكَ، يَطلُبُ بذَحْلِ بَدرٍ، أي: أنَّه ضَرَبَك انتِقامًا وثَأرًا لِما أصابَهم يَومَ بَدرٍ. والذَّحلُ: الثَّأرُ والعَداوةُ والحِقدُ، واللَّهِ لا تَأتيه أبَدًا، أي: لا تَذهَبُ وتَتَعَلَّمُ مِنه مَرَّةً أُخرى.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ مُفاداةِ الأسرى.
وفيه مَشروعيَّةُ جَعلِ فِداءِ الأسرى مَنفعةً مِنَ المَنافِعِ.
وفيه الحَثُّ على تَعليمِ الأولادِ الكِتابةَ.
وفيه خُبثُ الكُفَّارِ وعَداوتُهم للمُسلِمينَ .