‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم266

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم266

حدثنا عفان، أخبرنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ المنبر وتحول إليه، حن عليه، فأتاه فاحتضنه فسكن، قال: " لو لم أحتضنه، لحن إلى يوم القيامة "

أيَّدَ اللهُ تعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمُعجِزاتٍ وآياتٍ كَثيرةٍ تَدُلُّ على صِدقِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن ذلك أنَّ الجَماداتِ كانت تَحِنُّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَشتاقُ إليه، وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فيَقولُ: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقومُ يَومَ الجُمُعةِ، أي: عِندَ خُطبَتِه يَومَ الجُمُعةِ، فيُسنِدُ ظَهرَه إلى جِذعٍ، أي: لَم يَكُنْ هناكَ مِنبَرٌ يَقومُ عليه، وإنَّما كان يَعتَمِدُ على جِذعِ شَجَرةٍ، أي: ساقِ نَخلةٍ، مَنصوبٍ، أي: مُثَبَّتٍ في المَسجِدِ، فيَخطُبُ النَّاسَ، أي: يَعِظُهم ويُذَكِّرُهم، فجاءَ روميٌّ، أي: رَجُلٌ روميٌّ، ولَعَلَّه كان يَعمَلُ بالنِّجارةِ، فقال لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: ألَا أصنَعُ لَك شَيئًا تَقعُدُ عليه؟ أي: هَل أصنَعُ لَك ما يُغنيك عن هذا الجِذعِ فتَجلِسَ عليه، وكَأنَّك قائِمٌ، أي: يَكونُ عاليًا، فإذا قَعَدتَ عليه كُنتَ مُرتَفِعًا مِثلَ الواقِفِ، فصُنع له مِنبَرٌ له دَرَجَتانِ، ويَقعُدُ على الثَّالِثةِ، أي: كان مِنبَرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ثَلاثِ دَرَجاتٍ، يَصعَدُ على الثِّنتَينِ ويَقعُدُ على الثَّالِثةِ. فلَمَّا قَعَدَ نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ذلك المِنبَرِ، أي: الذي صَنَعَه له الرُّوميُّ، خارَ الجِذعُ كخُوارِ الثَّورِ -الخُوارُ: هو صَوتُ البَقَرِ، أي: بَكى وأظهَرَ صَوتًا مِثلَ صَوتِ الثَّورِ!- حتَّى ارتَجَّ، أي: اضطَرَبَ وامتَلَأ، المَسجِدُ مِن شِدَّةِ صَوتِه؛ حُزنًا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: بَكى هذا الجِذعُ حُزنًا لفِراقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم له. فنَزَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ المِنبَرِ وذَهَبَ إلى الجِذعِ، فالتَزَمَه، أي: احتَضَنَه وضَمَّه إلى صَدرِه، والجِذعُ يَخورُ، أي: وكان الجِذعُ ما زالَ يَبكي، فلَمَّا التَزَمَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَكَن، أي: هَدَأَ وتَوقَّف عنِ البُكاءِ، ثُمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يُخاطِبُ الصَّحابةَ: أمَا والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه لَو لَم ألتَزِمْه لَما زالَ هَكَذا إلى يَومِ القيامةِ حُزنًا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! أي: لَولا أنِّي نَزَلتُ وضَمَمتُه حتَّى يَهدَأَ لاستَمَرَّ في الخُوارِ هَكَذا إلى يَومِ القيامةِ؛ مِن شِدَّةِ حُزنِه لفِراقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم له! ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا الجِذعِ فدُفِنَ، أي: أمَرَ أصحابَه أن يَدفِنوا هذا الجِذعَ.
وفي الحَديثِ أنَّ الخَطيبَ يَومَ الجُمُعةِ يَكونُ قائِمًا.
وفيه بَيانُ صِفةِ مِنبَرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنَّه مِن ثَلاثِ دَرَجاتٍ.
وفيه مَشروعيَّةُ اتِّخاذِ المِنبَرِ في المَسجِدِ.
وفيه مَشروعيَّةُ الِاستِنادِ إلى شَيءٍ إذا خُطِبَ على الأرضِ.
وفيه مُعجِزةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه بَيانُ ما جَعَلَ اللَّهُ مِن مَحَبَّةِ الجَماداتِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه بَيانُ كَمالِ قُدرةِ اللهِ تعالى؛ حَيثُ أنطَقَ الجَمادَ.
وفيه رَحمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجَماداتِ.
وفيه مَشروعيَّةُ قَطعِ الخَطيبِ للخُطبةِ لأمرٍ يَحدُثُ .