‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 210

مسند أحمد

‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 210

حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا إسماعيل بن سميع، عن مالك بن عمير قال: كنت قاعدا عند علي، قال: فجاء صعصعة بن صوحان فسلم، ثم قام فقال: يا أمير المؤمنين، انهنا عما نهاك عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " نهانا عن الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير، ونهانا عن القسي، والميثرة الحمراء، وعن الحرير، والحلق الذهب "

في هذا الحَديثِ جُملةٌ مِن المَنهيَّاتِ الَّتي نَهى عنها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وفيه يقولُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه: "نهانا عن الدُّبَّاءِ"، أي: نَهانا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الانتباذِ في الدُّبَّاءِ، وهو اليَقْطِينُ (القَرْعُ) الَّذي يُفرَغُ لُبُّهُ ويُجعَلُ كالوِعاءِ ويُنتبَذُ فيه، "والحَنْتمِ"، أي: عنِ الانتباذِ فيه، وهو الوِعاءُ أو الآنيةُ الَّتي تُصنَعُ مِن طِينٍ وشَعرٍ ودَمٍ، "والمُزفَّتُ" وهو ما طُلِيَ بالزِّفتِ، "وربَّما قال: المُقَيَّرِ"، وهو ما طُلِيَ بالقَارِ، وهو نبْتٌ يُحرَقُ، وإذا يَبِسَ تُطْلَى به السُّفنُ وغيرُها، كما تُطلَى بالزِّفتِ، "والنَّقيرِ" وهو أصلُ النَّخْلةِ، يُنْقَرُ وسَطُه ثمَّ يُنْبَذُ فيه التَّمرُ، ويُلْقَى عليه الماءُ؛ لِيصيرَ نَبيذًا، ومعنى النَّهيِ عن الانتباذِ في هذه الأوعيةِ بخُصوصِها؛ لأنَّه يُسرِعُ إليها الإسكارُ؛ فربَّما شَرِبَ منها مَن لم يَشعُرْ بذلك، ثمَّ رُخِّصَ في الانتباذِ في كلِّ وِعاءٍ، مع النَّهيِ عن شُربِ كلِّ مُسكِرٍ؛ كما ورَدَ في صَحيحِ مُسلمٍ: "كنتُ نَهيتُكم عن الانتِباذِ إلَّا في الأسقيةِ، فانتبِذوا في كلِّ وِعاءٍ، ولا تَشرَبوا مُسكِرًا
قال عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه: "ونَهانا عن القَسِّيِّ"، وهيَ ثِيابٌ مِن كَتَّانٍ مَخلوطٍ بحَريرٍ تُصنَّعُ بمِصْرَ، نُسِبَت إلى قَريةٍ على ساحلِ البَحرِ، قريبًا مِن تِنِّيسَ، يُقالُ لها: القَسُّ بالفَتحِ. وقيل: القَسُّ أصلُهُ: القَرُّ، وهو نَوعٌ منَ الحريرِ، "والمِيثَرةِ الحَمراءِ"، وهي فُرُشٌ كانتْ تَصنَعُها العَجمُ؛ لتُوضَعَ تحتَ الرَّاكبِ على الدَّوابِّ مِثلَ السَّرجِ، وكانت تُصنَعُ منَ الحريرِ وتُحْشَى بالقُطنِ، "وعن الحريرِ"، أي: للرِّجالِ؛ فإنَّما يَحِلُّ الذَّهبُ والحريرُ للنِّساءِ، "والحِلَقِ الذَّهبِ"، أي: عَن لُبسِ خاتمِ الذَّهبِ للرِّجالِ
ثمَّ قال رضِيَ اللهُ عنه: "كَساني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُلَّةً مِن حَريرٍ"، أي: أعْطاني كِساءً وثَوبًا مِن حريرٍ يَصلُحُ للكِسوةِ، والحُلَّةُ تتكوَّنُ مِن جُزأينِ، "فخرَجْتُ فيها"، أي: لَبِسْتُها وخرَجْتُ فيها؛ "لِيَرى النَّاسُ عليَّ كِسوةَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"، قال عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه: "فرَآني رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأمَرَني بنَزعِهما"، أي: خلْعِهما، "فأرسَلَ بإحداهما إلى فاطمةَ، وشقَّ الأُخرى بيْن نِسائِه"، أي: أخَذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إحدى القِطعتينِ مِن عليٍّ وأعطاها لابنَتِه فاطمةَ، أو لفاطمةَ بنتِ أسَدِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنافٍ؛ وهي أُمُّ عليٍّ؛ وذلك أنَّ النِّساءَ يَحِلُّ لهنَّ الحريرُ، وشقَّ القِطعةَ الأُخرى ووَزَّعَها بيْن نِسائِه
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عَنْ كُلِّ الأسبابِ المؤدِّيةِ إلى تَخَمُّرِ الأطعمةِ والأشربةِ
وفيه: البُعدُ عن التشبُّهِ بغيرِ المسلِمينَ في الترَفُّهِ