مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 168
مسند احمد

حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان «يتعوذ من البخل والجبن وعذاب القبر، وأرذل العمر وفتنة الصدر» ، قال وكيع: فتنة الصدر أن يموت الرجل، وذكر وكيع: الفتنة لم يتب منها
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدعو رَبَّه سُبحانَه؛ تَضَرُّعًا وخَشيةً، وكان كَثيرًا ما يَتعَوَّذُ مِنَ الأُمورِ التي تُوقِعُ الإنسانَ في الشَّرِّ والضُّرِّ في الدُّنيا أوِ الآخِرةِ، وكُلُّ أقوالِه وأدعِيَتِه وأحوالِه فيها تَعليمٌ لِأُمَّتِه
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَتَعوَّذُ مِن خِصالٍ خَمسِ، فيَدعو اللهَ عَزَّ وجَلَّ بتلك الدَّعَواتِ، ويَطلُبُ مِنه الحِمايةَ منها ومِنَ الوُقوعِ فيها؛ فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَستَعيذُ مِنَ "الجُبنِ"، وهو الخَوفُ والفَزَعُ عامَّةً، وعِندَ مُلاقاةِ العَدُوِّ خاصَّةً. "والبُخلِ"، وهو الشُّحُّ وإمساكُ اليَدِ عنِ النَّفَقةِ؛ لِمَا يقَعُ به صاحِبُه في الطَّمَعِ الذي يُؤَدِّي به إلى عَدَمِ إنفاقِ المالِ وبَذْلِه للهِ بالزَّكاةِ والصَّدَقةِ. والبُخلُ والجُبنُ مِنَ الأمراضِ القَلبيَّةِ التي تُودِي بصاحِبِها إلى الْمَهالِكِ إنْ سَلَّمَ نَفْسَه لها، فوَجَبَ الاستِعاذةُ منهما، وهما قَرينانِ دائِمًا؛ لِأنَّ الإحسانَ المُتَوقَّعَ مِنَ العَبدِ إمَّا بمالِه، وإمَّا ببَدَنِه، فالبَخيلُ مانِعٌ لِنَفعِ مالِه، والجَبانُ مانِعٌ لِنَفعِ بَدَنِه."وسُوءِ العُمُرِ" وهو كِبَرُ السِّنِّ، الذي يُؤَدِّي إلى أرذَلِ العُمُرِ، فلا يَقْوَى به على عَمَلٍ. ولَعَلَّ مِن أسبابِ الاستِعاذةِ منه ما فيه مِنَ الخَرَفِ، واختِلالِ العَقلِ والحَوَاسِّ والضَّبطِ والفَهمِ، وتَشويهِ بَعضِ المَناظِرِ، والعَجزِ عن كَثيرٍ مِنَ الطَّاعاتِ، والتَّساهُلِ في بَعضِها. "وفِتنةِ الصَّدرِ" والمُرادُ: الاستِعاذةُ مِن قَساوةِ القَلبِ والوَساوِسِ وحُبِّ الدُّنيا، وما يَجري على القَلبِ مِنَ الخَواطِرِ المَذمومةِ."وعَذابِ القَبرِ"، وهو العَذابُ الذي يَقَعُ على الإنسانِ في القَبرِ قَبلَ البَعثِ والحَشرِ، ويَجِبُ التَّعوُّذُ مِن عَذابِه، مع أنَّ عَذابَ ما بَعدَه لِمَن عُذِّبَ فيه أشَدُّ؛ فكذلك مَن أمِنَ العَذابَ فيه ورُحِمَ، كان ما بَعدَه أرحَمَ
وفي الحَديثِ: التَّعوُّذُ باللهِ مِن كُلِّ شَرٍّ وفِتنةٍ في الدُّنيا والآخِرةِ
وفيه: إثباتٌ لِعَذابِ القَبرِ