مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 94
مسند احمد

حدثنا سليمان بن داود أبو داود، حدثنا سلام يعني أبا الأحوص، عن سماك بن حرب، عن سيار بن المعرور، قال: سمعت عمر، يخطب وهو يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم «بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار» ، فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه. ورأى قوما يصلون في الطريق، فقال: صلوا في المسجد
لصَلاةِ الجَماعةِ في المَسجِدِ فَضلٌ كَبيرٌ، وقد فَصَّلَ الشَّرعُ أحكامَ الجَماعةِ وخُصوصًا عِندَ ازدِحامِ الناسِ في المَسجِدِ، فأباحَ الرُّكوعَ والسُّجودَ بما يَتيَسَّرُ لِلمَرءِ فِعلُه في الزِّحامِ
وفي هذا الأثَرِ يَقولُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه: "إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَنى هذا المَسجِدَ"، يَعني: مَسجِدَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَدينةِ المُنوَّرةِ "ونحن معه: المُهاجِرونَ والأنصارُ" فبُنيَ صَغيرًا على قَدْرِ المُهاجِرينَ والأنصارِ، يُريدُ أنَّهم كانوا قَليلي العَدَدِ؛ لأنَّه لم يَكُنْ إذ ذاك بالمَدينةِ إلَّا هؤلاءِ، أمَا وقد كَثُرَ الناسُ، "فإذا اشتَدَّ الزِّحامُ"، أي: إذا كَثُرَ العَدَدُ في صَلاةِ الجَماعةِ وضاقَ بكمُ المَسجِدُ "فلْيَسجُدِ الرَّجُلُ منكم على ظَهرِ أخيه"، فلْيَسجُدْ على ظَهرِ مَن أمامَه؛ لِلضَّرورةِ، وهذا يَكونُ في صَلاةِ الجَماعةِ والجُمُعةِ والعيدِ، أمَّا في غَيرِ الجَماعةِ فلا ضَرورةَ، إذْ يُمكِنُه أنْ يُصلِّيَ في أيِّ مَكانٍ شاءَ، "ورأى قَومًا يُصَلُّونَ في الطَّريقِ"؛ لِشِدَّةِ الزِّحامِ في المَسجِدِ وعَدَمِ اتِّساعِه لِلمُصَلِّينَ، "فقالَ: صَلُّوا في المَسجِدِ" فإنْ زُوحِمتُم فادخُلوا المَسجِدَ وصَلُّوا فيه. قيلَ: الظَّاهِرُ أنَّ ذلك في الجُمُعةِ؛ لِأنَّ جَماعَتَها لا تُعَوَّضُ، ولاستِماعِ الخُطبةِ، ولفَضلِ كَثرةِ الجَماعةِ، فكُلَّما كَثُرتِ الجَماعةُ ازدادَ فَضلُها، ورُبَّما أنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كانَ يَرى اشتِراطَ المَسجِدِ لِلجُمُعةِ، واللهُ أعلَمُ