"‌‌باب: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ما شاء أقامه منها وما شاء أن يزيغه أزاغه"126

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ما شاء أقامه منها وما شاء أن يزيغه أزاغه"126

حدثنا هشام بن عمار ثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى الأطرابلسي حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن سيرة بن فاكهة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيفه أزاغه"

مِن عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ إثباتُ الأسماءِ والصِّفاتِ للهِ تعالى، مِن غَيرِ تَكييفٍ ولا تَمثيلٍ ومِن غَيرِ تَحريفٍ ولا تَعطيلٍ، بَل يُثبِتونَ ما أثبَتَه اللَّهُ لِنَفسِه في كِتابِه، وما أثبَتَه لَه رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سُنَّتِه، ومِمَّا ورَدَ في صِفاتِ اللهِ تعالى صِفةُ اليَدِ والأصابِعِ كما يَليقُ بِجَلالِ اللهِ وعَظَمَتِه ويَختَصُّ بِه؛ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما مِن قَلبٍ، أي: مِن قُلوبِ العِبادِ، إلَّا بَينَ إصبَعَينِ مِن أصابِعِ الرَّحمَنِ، أي: كائِنةٌ بَينَ إصبَعَينِ مِن أصابِعِه سُبحانَه؛ إن شاءَ أقامَه، أي: على الهدى ودينِ الحَقِّ، وإن شاءَ أزاغَه، أي: أضَلَّه وصَرَفه عنِ الحَقِّ إلى الباطِلِ. وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدعو ويَقولُ: يا مُقَلِّبَ القُلوبِ، أي: يا مَن بيَدِه تَحويلُ القُلوبِ وتَصريفِها عن حالِها مِنَ الإيمانِ إلى الكُفرِ، ومِنَ الطَّاعةِ إلى المَعصيةِ، ثَبِّتْ قُلوبَنا على دينِك، أي: اجعَلْ قُلوبَنا ثابِتةً على هذا الدِّينِ القَويمِ والصِّراطِ المُستَقيمِ، فلا نَنحَرِفَ عنه. وفي هذا إشارةٌ إلى شُمولِ ذلك لِلعِبادِ حتَّى الأنبياءِ، ورَفعُ تَوهُّمِ مَن يَتَوهَّمُ أنَّهم يُستَثنَونَ مِن ذلك، وخَصَّ نَفسَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالذِّكرِ إعلامًا بِأنَّ نَفسَه الزَّكيَّةَ إذا كانت مُفتَقِرةً إلى أن تَلجَأَ إلى اللهِ سُبحانَه، فافتِقارُ غَيرِها مِمَّن هو دونَه أحَقُّ بِذلك، وقال أيضًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والميزانُ بيَدِ الرَّحمَنِ، أي: هو بيَدِ اللهِ تعالى يَتَصَرَّفُ فيه كَيف شاءَ سُبحانَه، يَرفعُ قَومًا ويخفِضُ آخَرينَ إلى يَومِ القيامةِ. فجَميعُ ما كان وما يَكونُ هو بِتَقديرِ خَبيرٍ بَصيرٍ يَعلَمُ ما تؤولُ إليه أحوالُ عِبادِه، فيُقدِّرُ ما هو أصلَحُ لَهم، فيَغفِرُ ويُغني، ويَمنَعُ ويُعطي، ويَقبِضُ ويَبسُطُ، كما تَقتَضيه حِكمتُه سُبحانَه، وقيلَ: أي: ميزانُ أعمالِ العِبادِ المُرتَفِعةِ إليه سُبحانَه؛ هو بيَدِه جَلَّ وعَلا يُقَلِّلُها لِمَن يَشاءُ، ويُكَثِّرُها لِمَن يَشاءُ، كَمَن بيَدِه الميزانُ؛ يَخفِضُ تارةً، ويَرفعُ أُخرى.
وفي الحَديثِ إثباتُ صِفةِ الأصابِعِ للهِ تعالى.
وفيه إثباتُ صِفةِ اليَدِ للهِ تعالى.
وفيه الحَذَرُ الشَّديدُ والخَوفُ الأكيدُ مِن تَقَلُّبِ القُلوبِ.
وفيه أهَمِّيَّةُ دُعاءِ اللهِ وسُؤالِه تَثبيتَ القُلوبِ على الدِّينِ.
وفيه بَيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن شِدَّةِ الِافتِقارِ إلى اللهِ وسُؤالِه الثَّباتَ.
وفيه إثباتُ الميزانِ.
وفيه بَيانُ أنَّ كُلَّ ما يَجري هو بِتَقديرِ اللهِ تعالى ووَفقَ حِكمَتِه .