"‌‌باب: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ما شاء أقامه منها وما شاء أن يزيغه أزاغه"132

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ما شاء أقامه منها وما شاء أن يزيغه أزاغه"132

ثنا عوف بن عثمان ثنا بقية ثنا عبد الله بن سالم عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن ابن جبير عن أبيه عن المقداد بن الأسود قال: ما آمن على أحد بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا"

خَلقَ اللهُ تعالى الخَلقَ وبَيَّنَ لَهم طَريقَ الهدايةِ والخَيرِ، وأرشَدَهم إلَيه وحَذَّرَهم مِن طَريقِ الغَوايةِ والشَّرِّ، وعَلى الإنسانِ أن يَسألَ اللهَ تعالى أن يَهديَه الصِّراطَ المُستَقيمَ، ويُكثِرَ مِن ذلك؛ فالإنسانُ ضَعيفٌ، وهو مُعَرَّضٌ لتُقَلُّبِ حالِه، والقُلوبُ بيَدِ اللهِ يُقَلِّبُها كَيف شاءَ، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُكثِرُ أن يَقولَ: يا مُقَلِّبَ القُلوبِ، ثَبِّت قَلبي على دينِك؛ ولذلك كان على الشَّخصِ ألَّا يَتَكَلَّمَ في الآخَرينَ بحَسَبِ ما يرى مِن حالِهم؛ لأنَّه لا يَدري بمَ يُختَمُ لَهم؛ ولهذا يَقولُ المِقدادُ بنُ عَمرِو بنِ الأسوَدِ رَضِيَ اللهُ عنه: لا أقولُ في رَجُلٍ خَيرًا ولا شَرًّا، أي: لا أتَكَلَّمُ فيه وإنَّما أحفَظُ لساني، حَتَّى أنظُرَ ما يُختَمُ له، أي: حَتَّى أنظُرَ كَيف سَتَكونُ خاتِمَتُه؛ فالأعمالُ بالخَواتيمِ، وإنَّما قال المِقدادُ ذلك؛ لأنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: لَقَلبُ ابنِ آدَمَ أشَدُّ انقِلابًا مِنَ القِدْرِ، أي: الوِعاءِ الذي يُطبَخُ فيه، إذا اجتَمَعَت غَليًا، أي: إذا اشتَدَّ غَلَيانًا. وذلك أنَّ القَلبَ لا يَزالُ يَتَجاذَبُه المَلَكُ والشَّيطانُ، فهو بَينَهما يَنقَلِبُ ويَتَقَلَّبُ، فكُلٌّ مِنهما يَقلِبُه إلى مَرامِه ويَلفِتُه إلى جِهَتِه، فالقَلبُ مَحَلُّ المَعرَكةِ دائِمًا إلى أن يَقَعَ الفتحُ لأحَدِ الحِزبَينِ، فيَسكُنَ سُكونًا تامًّا.

وفي الحَديثِ أنَّ العِبرةَ في حالِ الشَّخصِ هو بما يُختَمُ له.

 وفيه أنَّ الإنسانَ لا يَأمَنُ على نَفسِه.

وفيه أنَّ قُلوبَ العِبادِ شَديدةُ التَّقَلُّبِ. 

وفيه خَوفُ الصَّحابةِ وورَعُهم مِنَ التَّكَلُّمِ في الآخَرينَ .