باب: ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشقي من شقي في بطن أمه والطبع والجبل والخير

ثنا أبو مسعود الجحدري، ثنا معتمر بن سليمان، ثنا أبو عوانة، عن عزرة بن ثابت الأنصاري، حدثني يوسف المكي، عن أبي الطفيل، قال: كان عبد الله بن مسعود يحدث في المسجد: «إن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره» قال: فأتيت حذيفة بن أسيد الغفاري فقلت: ألا تعجب من عبد الله بن مسعود يحدث في المسجد: «إن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره» ؟ قال: فما بال هذا الطفيل الصغير. قال: لا تعجب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ذات عدد يقول : " إن النطفة إذا وقعت في الرحم أربعين ليلة - وقال أصحابي: خمسا وأربعين ليلة - نفخ فيه الروح ". قال: " فيجيء ملك الرحم فيدخل فيصور له عظمه، ولحمه، ودمه، وشعره، وبشره، وسمعه، وبصره. ثم يقول: أي رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله إليه فيه، ويكتب الملك. فيقول: أي رب، أشقي أم سعيد؟ فيقضي الله إليه ما يشاء، ويكتب الملك. ثم يقول: أي رب، أثره؟ فيقضي الله تعالى، ويكتب الملك. فيقول: أي رب، أجله؟ فيقضي الله ما يشاء، ويكتب الملك. ثم تطوى تلك الصحيفة فلا تمس إلى يوم القيامة ".
وفي هذا الحديث يروي الصحابي عامر بن واثلة أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحدث أن الشقي من شقي في بطن أمه إذا قدر الله عليه الشقاء، فإن أول مبدأ الإنسان في بطن أمه، يظهر من حاله للملائكة ما سبق في علم الله تعالى، من سعادته أو شقاوته، ورزقه، وأجله، وعمله، والسعيد من وعظ بأفعال غيره، فاقتدى بأحسنها وانتهى عن سيئها، فيسعد في الآخرة بالجنة ونعيمها، يريد بالشقاء شقاء الآخرة الأبدي، وهو كناية عن عذابه في الآخرة، أما الشقاء الدنيوي فإنه وإن طال بالإنسان ينقضي بانقضاء الأجل، وهو الموت
فلما سمع الصحابي عامر بن واثلة رضي الله عنه قول ابن مسعود رضي الله عنه هذا، أتى أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -وهو حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه- وأخبره بقول ابن مسعود، ثم قال عامر لحذيفة رضي الله عنهم سائلا: كيف يشقى أحد وهو لم يعمل عملا سيئا ولم يخرج إلى الدنيا بعد ولم يأت من المعاصي والذنوب التي بها شقاؤه؟ فقال حذيفة بن أسيد رضي الله عنه موضحا قول ابن مسعود رضي الله عنه الذي تعجب منه: «أتعجب من ذلك؟!» أي: مما كتب على الإنسان في بطن أمه، والاستفهام للإنكار؛ أي: لا تعجب من ذلك، ثم ذكر دليل نهيه له، فقال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مر» من الزمان والوقت «بالنطفة» وهي الماء الذي يتكون منه الإنسان، وهي أولى مراحل خلق الإنسان، فإذا مر عليها «ثنتان وأربعون ليلة» وهو كناية عن نفخ الروح فيه، قيل: هذا العدد خطأ من أحد رواة الحديث، والصواب أنه يكون ذلك في الأربعين الرابعة من وقت تكوين النطفة التي هي مدة التصوير، «بعث الله إليها ملكا» وهو الملك الموكل بالرحم «فصورها»، أي: حدد ملامح جسدها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم يقول الملك سائلا: يا رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله للنطفة أن تكون ذكرا أو أنثى، ويكتب الملك ما قضى الله به في اللوح المحفوظ الذي فيه مقادير كل شيء قبل أن تخلق، ثم يقول الملك متسائلا: يا رب، ما أجله؟ فيقضي الله في عمره، ويكتب الملك ما قضى الله به، ثم يقول الملك متسائلا: يا رب، ما رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء له من الرزق، ويكتب الملك ما يقضي الله به من اللوح المحفوظ، «ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده» التي كتب فيها كل ما أمره به الله عز وجل، فيخرج من عند النطفة التي بعثه الله إليها، فلا يزيد الملك على ما أمر ولا ينقص، فيما قضى الله به في حق تلك النطفة
وفي الحديث: بيان مراحل نمو الجنين وتكوينه في بطن أمه، وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إخبار عن الغيب.
وفيه: أن على المرء أن يتعلم ويوعظ بمن سبقه؛ فيقتدي بصالحيهم ويتقي شرارهم حتى يكتب من سعداء الآخرة ويفوز بجنات النعيم.