باب: ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشقي من شقي في بطن أمه والطبع والجبل والخير

باب: ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشقي من شقي في بطن أمه والطبع والجبل والخير

ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، حدثنا وهيب، ثنا ابن خثيم، عن أبي الطفيل، أنه سمع ابن مسعود، يقول: «الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره» . قال: فأتيت حذيفة، فأخبرته بقول ابن مسعود فقال: وما تنكر من هذا يا ابن واثلة وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله؟

قدر الله سبحانه وتعالى مقادير كل شيء، وكتب على ابن آدم حظه في الدنيا والآخرة قبل أن يخلقه، وهي كتابة علم وإحاطة بما سيكون، وليست كتابة جبر وإكراه، وقد أمر سبحانه الخلق بأن يعملوا وفق شرائعه، ويسر الأمور لهم، وخيروا بين الإيمان بالله فيسعدوا، أو الكفر والعصيان فيشقوا
وفي هذا الحديث يروي الصحابي عامر بن واثلة أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحدث أن الشقي من شقي في بطن أمه إذا قدر الله عليه الشقاء، فإن أول مبدأ الإنسان في بطن أمه، يظهر من حاله للملائكة ما سبق في علم الله تعالى، من سعادته أو شقاوته، ورزقه، وأجله، وعمله، والسعيد من وعظ بأفعال غيره، فاقتدى بأحسنها وانتهى عن سيئها، فيسعد في الآخرة بالجنة ونعيمها، يريد بالشقاء شقاء الآخرة الأبدي، وهو كناية عن عذابه في الآخرة، أما الشقاء الدنيوي فإنه وإن طال بالإنسان ينقضي بانقضاء الأجل، وهو الموت
فلما سمع الصحابي عامر بن واثلة رضي الله عنه قول ابن مسعود رضي الله عنه هذا، أتى أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -وهو حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه- وأخبره بقول ابن مسعود، ثم قال عامر لحذيفة رضي الله عنهم سائلا: كيف يشقى أحد وهو لم يعمل عملا سيئا ولم يخرج إلى الدنيا بعد ولم يأت من المعاصي والذنوب التي بها شقاؤه؟ فقال حذيفة بن أسيد رضي الله عنه موضحا قول ابن مسعود رضي الله عنه الذي تعجب منه: «أتعجب من ذلك؟!» أي: مما كتب على الإنسان في بطن أمه، والاستفهام للإنكار؛ أي: لا تعجب من ذلك، ثم ذكر دليل نهيه له، فقال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مر» من الزمان والوقت «بالنطفة» وهي الماء الذي يتكون منه الإنسان، وهي أولى مراحل خلق الإنسان، فإذا مر عليها «ثنتان وأربعون ليلة» وهو كناية عن نفخ الروح فيه، قيل: هذا العدد خطأ من أحد رواة الحديث، والصواب أنه يكون ذلك في الأربعين الرابعة من وقت تكوين النطفة التي هي مدة التصوير، «بعث الله إليها ملكا» وهو الملك الموكل بالرحم «فصورها»، أي: حدد ملامح جسدها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم يقول الملك سائلا: يا رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله للنطفة أن تكون ذكرا أو أنثى، ويكتب الملك ما قضى الله به في اللوح المحفوظ الذي فيه مقادير كل شيء قبل أن تخلق، ثم يقول الملك متسائلا: يا رب، ما أجله؟ فيقضي الله في عمره، ويكتب الملك ما قضى الله به، ثم يقول الملك متسائلا: يا رب، ما رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء له من الرزق، ويكتب الملك ما يقضي الله به من اللوح المحفوظ، «ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده» التي كتب فيها كل ما أمره به الله عز وجل، فيخرج من عند النطفة التي بعثه الله إليها، فلا يزيد الملك على ما أمر ولا ينقص، فيما قضى الله به في حق تلك النطفة
وفي الحديث: بيان مراحل نمو الجنين وتكوينه في بطن أمه، وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إخبار عن الغيب.
وفيه: أن على المرء أن يتعلم ويوعظ بمن سبقه؛ فيقتدي بصالحيهم ويتقي شرارهم حتى يكتب من سعداء الآخرة ويفوز بجنات النعيم.