باب التبري من أهل البدع والمعاصي

روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي بردة بن أبي موسى قال: " وجع أبو موسى رضي الله عنه وجعا، فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله (2) ، فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد شيئا، فلما أفاق قال: أنا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة.
وفي هذا الحديث يحكي أبو بردة أن أباه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه مرض مرضا شديدا، فأغمي عليه، وكانت رأسه في حجر امرأة من أهله، وهي زوجته أم عبد الله بنت أبي دومة، وقيل: هي زوجته صفية بنت دمون والدة أبي بردة بن أبي موسى، فصاحت وندبته، فلم يستطع أبو موسى رضي الله عنه أن يرد عليها شيئا؛ بسبب إغمائه، فلما أفاق قال: إنه بريء ممن برئ منه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة، وهي الرافعة صوتها في المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها
وهذه كلها من أمور الجاهلية، وقد نسخها الله سبحانه بشريعة الإسلام، وأمر بالاقتصاد في الحزن والفرح، وترك الغلو في ذلك، وحض على الصبر عند المصائب، واحتساب أجرها على الله، وتفويض الأمور كلها إليه؛ فقال تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155 - 157]، فحق على كل مسلم مؤمن علم سرعة الفناء ووشك الرحيل إلى دار البقاء ألا يحزن على فائت من الدنيا، وأن يستشعر الصبر والرضا؛ لينال الدرجات الرفيعة من ربه عز وجل
والبراءة في الحديث بمعنى أنه بريء من فعلهن، أو مما يستوجبن من العقوبة، أو من عهدة ما لزمني من البيان، وأصل البراءة: الانفصال، وليس المراد التبري من الدين والخروج منه.
وفي الحديث: النهي عن الشق والحلق والصلق عند وقوع المصائب.