‌‌ذكر الخبر الدال على أن الحسنة الواحدة قد يرجى بها للمرء محو جنايات سلفت منه108

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر الخبر الدال على أن الحسنة الواحدة قد يرجى بها للمرء محو جنايات سلفت منه108

أخبرنا بن قتيبة حدثنا غالب بن وزير الغزي حدثنا وكيع قال حدثني الأعمش عن المعرور بن سويد
عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله في صومعته ستين عاما فأمطرت الأرض فاخضرت فأشرف الراهب من صومعته فقال لو نزلت فذكرت الله لازددت خيرا فنزل ومعه رغيف أو رغيفان فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير يستحم فجاءه سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين أو الرغيف ثم مات فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزينة فرجحت الزنية بحسناته ثم وضع الرغيفذكر الخبر الدال على أن الحسنة الواحدة قد يرجى بها للمرء محو جنايات سلفت منه

فِعلُ الخَيرِ له أثَرٌ عَظيمٌ في تَكفيرِ السَّيِّئاتِ ورَفعِ الدَّرَجاتِ، وبه تَرجَحُ أعمالُ العَبدِ يَومَ القيامةِ، ومن أفضَلِ الصَّدَقةِ إطعامُ الطَّعامِ حتَّى ولو كان يسيرًا؛ ولهذا لمَّا حَضَرَت أبا موسى رَضِيَ اللهُ عنه الوفاةُ: أي: قَرُبَ وِدنا أجَلُه، قال لأبنائِه يُذَكِّرُهم ويوصيهم: اذكُروا صاحِبَ الرَّغيفِ، أي: عليكُم بتَذَكُّرِ قِصَّةِ صاحِبِ الرَّغيفِ، وهي أنَّه كان رَجُلٌ يَتَعَبَّدُ في صَومَعةٍ وهو بيتُ العبادةِ عِندَ النَّصارى، وظَلَّ يَتَعَبَّدُ فيها سَبعينَ سَنةً، ثمَّ إنَّ الشَّيطانَ شَبَّه له في عَينِه امرَأةً، أي: حَسَّنَها وزَيَّنَها له، فمَكَثَ مَعَ المَرأةِ سَبعةَ أيَّامٍ وسَبعَ ليالٍ، ثمَّ كُشِف عنِ الرَّجُلِ غِطاؤُه، أي: انتَبَهَ وعادَ لرُشدِه وأنَّ الشَّيطانَ قد غَرَّه وأوقَعَه في المَعصيةِ والذَّنبِ، فخَرَجَ الرَّجُلُ تائبًا، وأقامَ مَعَ مَساكينَ وباتَ مَعَهم، فجاءَ رَجُلٌ وتَصَدَّقَ على هؤلاء المَساكينِ برَغيفٍ رَغيفٍ، وأعطى هذا العابِدَ رغيفًا كان منَ المَفروضِ أن يَكونَ لأحَدِ المَساكينِ، ففقدَ المِسكينُ رَغيفَه الذي كان يُعطاه، ولمَّا عَلِمَ العابدُ بذلك أعطى رَغيفَه الذي مَعَه لهذا المِسكينِ وآثَرَه على نَفسِه، وأصبَحَ مَيِّتًا! فوُزِنَت عِبادةُ السَّبعينَ سَنةً التي كان عابدًا فيها بالسَّبعِ اللَّيالي التي قَضاها مَعَ تلك المَرأةِ، فرَجَحَتِ اللَّيالي، أي: أنَّ لياليَ المَعصيةِ التي قَضاها مَعَ المَرأةِ رَجَحَت على عِبادةِ سَبعينَ سَنة، ثمَّ وُزِنَ الرَّغيفُ الذي تَصَدَّق به بالسَّبعِ اللَّيالي، فرَجَحَ الرَّغيفُ!
وفي الحَديثِ وَعظُ الأبِ لأبنائِه وتَذكيرُهم بفِعلِ الخَيرِ واجتِنابِ الشَّرِّ.
وفيه الحَذَرُ من وساوِسِ الشَّيطانِ وتَزيينِه المَعصيةَ للعَبدِ.
وفيه أنَّ المَعصيةَ قد تَرجَحُ على الطَّاعةِ.
وفيه أنَّ المَعاصيَ تُكَفَّرُ ببَعضِ الأعمالِ الصَّالحةِ.
وفيه بَيانُ أجرِ فِعلِ الخَيرِ لا سيَّما إطعامِ الطَّعامِ.
وفيه إثباتُ أنَّ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ توزَنُ يَومَ القيامةِ .