باب الأمر بالدعاء و فضله و بيان جمل من أدعيته صلى الله عليه و سلم 29
بطاقات دعوية

وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاء كثير، لم نحفظ منه شيئا؛ قلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا، فقال: «ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله؟ تقول: اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم؛ وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن»
علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته الخير كله، وكان دائم الإرشاد إلى الأقوال والأفعال الجوامع التي فيها الفضل العظيم
وفي هذا الحديث تخبر عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء: "اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله"، أي: القريب في وقته، "وآجله"، أي: والبعيد، "ما علمت منه"، أي: الذي يكون في علم العبد، "وما لم أعلم"، أي: والذي يكون في علم الله عز وجل، وهذا الدعاء على العموم دون تخصيص نوع من الخير، وفيه تفويض الأمر إلى علم الله تعالى، فيختار للمسلم أفضله وأحسنه، "وأعوذ بك"، أي: أعتصم وأحتمي بالله، "من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك"، أي: ألتجئ بالله وأعتصم به مما التجأ منه النبي صلى الله عليه إلى ربه، واعتصم به منه، وهذا دعاء وطلب من الله أن يعطي الداعي مما سأله وطلبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم لنفسه دون تعديد لأنواع ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا حفظ للمسلم الداعي من أن يعتدي في الدعاء
وقوله: "اللهم إني أسألك الجنة"، أي: دخولها، "وما قرب إليها من قول أو عمل"، أي: والقدرة على عمل الطاعات التي تكون سببا في دخولها، "وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل"، وطلب دخول الجنة والابتعاد عن النار مطلب كل مسلم وغاية عمله، وينبغي أن يدندن حولها كل داع، كما كان يدندن حولها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
"وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا"، وهذا من الدعاء بالرضا بقضاء الله وأن يكون كل أمر قضاه الله للمسلم مصحوبا وملابسا للخير الذي يرضي المقضي له؛ هذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء، ويأمر بها، وأخرج أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة، عليك بالكوامل"، ثم ذكر هذه الأدعية السابقة
وهذا الدعاء من جوامع الأدعية، إن لم يكن أجمعها؛ فإن فيه سؤال كل خير، والاستعاذة من كل شر، ثم النص على سؤال أفضل الخير، وهو الجنة والأعمال الصالحة المقربة إليها، والاستعاذة من أعظم الشر، وهو النار والمعاصي المقربة إليها، وهذا الدعاء يكفي عن غيره، وإذا أكثر المسلم من الدعاء به كان على خير عظيم، ولا حرج على المسلم أن يقتصر عليه، إذا لم يقدر على غيره من الأدعية الجوامع، وشق عليه حفظها، وأما مع القدرة فلا شك أن الأفضل له أن يحفظ ما قد علمه من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الجوامع، وينوع بينها قدر ما يستطيع، ويدعو لنفسه أيضا بما شاء، من خير الدنيا والآخرة