"باب" حديث: "أربعة كلهم يدلي على الله القيامة بحجة وعذر رجل مات في الفترة...."237
السنة لابن ابي عاصم

حدثنا ابن مصفى حدثنا بقية بن الوليد ثنا الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو عن يحيى بن أبي عمرو والسيباني عن أبي مريم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا يوم تبوك فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال:
"إن الله أذن لكم بهذا المسير وقد أذن لكم بالرجوع"
لمَّا هاجَرَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المَدينةِ واستَقَرَّ فيها بَنى دَولةَ الإسلامِ، وبَنى المَسجِدَ وآخى بَينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ، وبَدَأت حَياةُ الكِفاحِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، فبَدَأ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بغَزوِ الكُفَّارِ، ومِن تلك الغَزَواتِ غَزوةُ تَبوكَ، وكانت في زَمَنِ عُسرةٍ؛ بسَبَبِ قِلَّةِ الماءِ والنَّفَقةِ، وفي فَصلِ الصَّيفِ في شِدَّةِ الحَرِّ، وكان ذلك في السَّنةِ التَّاسِعةِ للهجرةِ، خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقِتالِ الرُّومِ، وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ أبو هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قامَ في الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم يَومَ غَزوةِ تَبوكَ خَطيبًا فيهم، فحَمِدَ اللَّهَ تعالى وأثنى عليه، أي: افتَتَحَ خُطبَتَه بحَمدِ اللهِ والثَّناءِ والمَدحِ له سُبحانَه، ثُمَّ قال لهم: إنَّ اللَّهَ أَذِن لكُم بهذا المسيرِ، أي: بالخُروجِ في هذه الغَزوةِ للقِتالِ، وقد أذِنَ لكُم بالرُّجوعِ، أي: أذِنَ لكُم أن تَرجِعوا ولا تُقاتِلوا، وذلك بَعدَ أن أقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَبوكَ عِشرينَ يَومًا، وقد رَجَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن تلك الغَزوةِ ولم يَحصُلْ فيها قِتالٌ بَينَ المُسلمينَ والرُّومِ.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ افتِتاحِ الخُطَبِ بحَمدِ اللهِ والثَّناءِ عليه.
وفيه رَحمةُ اللهِ بعِبادِه وتَخفيفُه عليهم.
وفيه أنَّ غَزوةَ تَبوكَ كانت بأمرٍ مِنَ اللهِ تعالى، ورُجوعُهم مِنها كان بأمرِ اللَّهِ تعالى .