باب ما يقال عند الصباح وعند المساء

وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: " ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم بك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين " (4) .
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيرَ النَّاسِ لأهلِه وأولادِه، فكان يَحرِصُ على أن يُعَلِّمَهم ما يَنفعُهم في دينِهم، ويوصيهم بالخَيرِ، ومن ذلك أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لابنَتِه فاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ما يَمنَعُكِ أن تَسمَعي ما أوصيك به؟ أي: هل هناكَ شَيءٌ يَحولُ بَينَك وبَينَ سَماعِ وصيَّتي لكِ؟ ثمَّ أوصاها إذا أصبَحَت -أي: دَخَلت في وقتِ الصَّباحِ-، وإذا أمسَت -أي: دَخَلت في وقتِ المَساءِ- أن تَقولَ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ، وهما اسمانِ من أسماءِ اللهِ تعالى، فالحَيُّ: جامِعٌ لصِفاتِ الذَّاتِ، والقَيُّومُ: جامِعٌ لصِفاتِ الأفعالِ، وجَمعُهما في غايةِ المُناسَبةِ كما جَمَعَهما اللهُ في عِدَّةِ مَواضِعَ من كِتابِه؛ وذلك أنَّهما مُحتَويانِ على جَميعِ صِفاتِ الكَمالِ، بك أستَغيثُ، أي: أطلُبُ الغَوثَ منك يا اللَّهُ، أن تُصلِحَ لي شَأني، أي: أمري، بأن تَجعَلَه صالحًا لا فسادَ يَلحَقُه، ولا تَكِلْني، أي: لا تَترُكْني إلى نَفسي وتَدبيرِها ونَظَرِها لِما يَنفعُها؛ فإنَّ النَّفسَ عاجِزةٌ عن مَعرِفةِ مَصلحَتِها، طَرفةَ عَينٍ، أي: لحظةً ولمحةً، والمَعنى: لا تُفوِّضْ أمري إلى نَفسي لحظةً قَليلةً قَدْرَ ما يَتَحَرَّكُ البَصَرُ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ الاهتِمامِ بأبنائِه.
وفيه أهَمِّيَّةُ رِعايةِ الأولادِ وتَعليمِهم ما يَنفعُهم في دينِهم ودُنياهم.
وفيه مَشروعيَّةُ قَولِ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ، بك أستَغيثُ؛ فأصلِحْ لي شَأني، ولا تَكِلْني إلى نَفسي طَرفةَ عَينٍ في الصَّباحِ والمَساءِ.
وفيه سُؤالُ اللهِ تعالى بأسمائِه الحُسنى.
وفيه تَفويضُ العَبدِ جَميعَ أمورِه إلى اللهِ تعالى .