باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت

باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت

وروينا في " صحيح مسلم " عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاما أقوله، قال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا
قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ".

إن لذكر الله تعالى في حياة المسلم وفي أحواله شأنا عظيما؛ حيث يجعله مرتبطا بالله في جميع أحواله وأوقاته
وفي هذا الحديث يخبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن أعرابيا -وهو الذي يسكن الصحراء من العرب- أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يعلمه كلاما وذكرا يقوله ويداوم عليه في جميع حالاته، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له»، فهو سبحانه المختص بالسلطان التام الذي لا ينازعه فيه منازع، وهذا الذكر يشتمل على توحيد الله، ونفى الشريك معه، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد؛ فإنه مبدأ كل عبادة، وختم كل سعادة، ثم أتبعه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الله أكبر» فإن الله تعالى أكبر من كل شيء في ذاته وأسمائه وصفاته، وكل ما تحتمله هذه الكلمة من معنى، وقوله: «كبيرا» أي: حالة كونه متعاليا عن صفات النقص والحدوث، ويحتمل معناه: أكبر الله تكبيرا كبيرا، «والحمد لله كثيرا» فهو المستحق له دون من سواه سبحانه، فله الشكر الكثير على نعمه التي لا تحصى كثرة.
وقوله: «سبحان الله» تنزيه لله عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص مطلقا
وقوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم» كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره، ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئا من الأمر، ولا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن الوقوع في الذنب، ولا قوة على الطاعة؛ إلا بإذن الله وإرادته سبحانه، وأنه لا معقب لحكمه، وأن الله مالك عباده، يفعل فيهم كل ما أراده
فقال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: فهؤلاء الكلمات لربي، يعني: أنهن للثناء على الله عز وجل وذكر صفاته، فأي شيء أدعو به مما يعود لي بنفع ديني أو دنيوي؟ فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يسأل الله، فجمع له صلى الله عليه وسلم خير الدنيا والآخرة في قوله: «اللهم اغفر لي» بمحو السيئات، «وارحمني» بإيصال المنافع والمصالح لي، فأراد الرحمة بعد المغفرة ليتكامل التطهير، فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها، والرحمة إيصال الخيرات؛ ففي الأول طلب الزحزحة عن النار، وفي الثاني طلب إدخال الجنة، وهذا هو الفوز العظيم، ثم علمه طلب الهداية: «واهدني» هداية إرشاد إلى سبيل السلامة، ومتابعة أمرك للطاعات، أو ثبتني على نهج الاستقامة وعلى دينك، «وارزقني» يعني: الرزق الذي يقوم به البدن من الطعام والشراب واللباس والمسكن وغير ذلك، والرزق الذي يقوم به القلب وهو العلم النافع والعمل الصالح، فاجعل لي ما يكفيني في الدنيا، وفي الآخرة ارزقني وأعطني الدرجات العليا، «وعافني» أي: في الدين والدنيا، معافاة من المعاصي، وعافية في البدن من كل مرض، سواء كان من أمراض القلوب أو أمراض الأبدان
وقوله: «عافني» ذكر على الشك من الراوي موسى بن عبد الله الجهني، حيث إنه لا يتأكد هل قالها شيخه مصعب بن سعد في حديثه أم لا؟ وقد وردت اللفظة في رواية أخرى لمسلم من حديث طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه
وفي الحديث: تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للناس جوامع الدعاء.
وفيه: بيان حاجة العبد للتضرع لربه.
وفيه: الحث على أن يكون الدعاء شاملا خيري الدنيا والآخرة.
وفيه: الحث على طلب المغفرة والرحمة والرزق؛ فهي جماع الخير.