ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر سمعه الأعمش عن أبي الضحى فقط120
صحيح ابن حبان

أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب هو بن ربيعة
عن بن مسعود قال إني لمستتر بأستار الكعبة إذ جاء ثلاثة نفر ثقفي وختناه قرشيان كثير شحم بطونهم قليل فقههم فتحدثوا الحديث بينهم فقال أحدهم أترى الله يسمع ما قلنا وقال الآخر إذا رفعنا سمع وإذا خفضنا لم يسمع وقال الآخر إن كان يسمع إذا رفعنا فإنه يسمع إذا خفضنا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأنزل الله: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر سمعه الأعمش عن أبي الضحى فقط
إنَّ اللهَ سُبحانه وتعالَى هو السَّميعُ البصيرُ، يَسمَعُ السِّرَّ وأخفى، ويُبصِرُ المُبصَراتِ كُلَّها، ولا يخفى عليه شيءٌ مهما دَقَّ وصَغُرَ، وهذه عَقيدةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، يُؤمنونَ بذلك دُونَ رَيبٍ أو شكٍّ، ومَن تَشكَّكَ في ذلك فسَدَتْ عَقيدتُه واستَحقَّ مِنَ اللهِ سُبحانه وتعالَى العِقابَ والنَّكالَ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ قولَه تعالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت: 22] نَزلتْ في رَجُلينِ مِن قُريشٍ، قيل: هما صفوانُ وربيعةُ ابنا أمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وخَتَنٍ لهما مِن ثقيفٍ -إحدى قبائِلِ العرَبِ، وكانت تسكُنُ الطَّائِفَ-، والخَتَنُ هو: القريبُ مِن جِهةِ المرأةِ، كأبي الزَّوجةِ وأخِيها، ويُطلقُ أيضًا على زَوجِ البنتِ والأختِ، وهو عبدُ يالِيلَ بنُ عَمرِو بنِ عُمَيرٍ، وقيل: حبيبُ بنُ عَمرٍو، وقيل: الأخنَسُ بنُ شريقٍ. أو رَجُلينِ مِن ثَقيفٍ وخَتَنٍ لهما مِن قُرَيشٍ -الشَّكُّ من أبي مَعمَرٍ راوي الحديثِ عن ابنِ مَسعودٍ-، وفي روايةٍ في الصَّحيحينِ: «كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ»، فوصفهم بعِظَم البطنِ وقِلَّةِ الفَهمِ، كانوا يَجلِسونَ عندَ البيتِ الحرامِ، فقال بعضُهم لِبعضٍ: أتظنُّون أنَّ اللهَ يَسمَعُ حديثنَا؟ فقال بعْضُهم: يَسمَعُ بعضَه، يعنون ما وقع منهم جهرًا. وقال بعضُهم: لَئنْ كان يَسمَعُ بعضَه لقدْ يَسمَعُ كلَّه، فنزلَتِ الآيةُ. ومعناها: أنَّكم ما كُنتم تَستخْفونَ عندَ ارتكابِ القَبائحِ؛ خِيفةَ أنْ يَشهَدَ عليكمْ سَمْعُكم ولا أبصاركُم ولا جُلودُكم؛ لأنَّكم تُنكِرونَ البعثَ والقِيامةَ، ولكنَّ ذلك الاستتارَ لأجْلِ أنَّكم {ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} مِنَ الأعمالِ الَّتي تُخفونَها؛ فَلذلكَ اجترأْتُم على ما فعَلْتُم. وفي الحَديثِ: تَنبيهٌ على أنَّ المُؤمِنَ يَنبغي أنْ يَتحقَّقَ أنَّه لا يَمرُّ عليه حالٌ إلَّا وعليه رقيبٌ، وأنَّه لا يَعزُبُ عن سمعِ اللهِ وبَصَرِه.