‌‌ذكر ما كان يتخوف صلى الله عليه وسلم على أمته جدال المنافق20

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر ما كان يتخوف صلى الله عليه وسلم على أمته جدال المنافق20

أخبرنا أبو يعلى حدثنا خليفة بن خياط حدثنا خالد بن الحارث حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف عليكم جدال المنافق عليم اللسان"1. [22:3]

النِّفاقُ مِن أخطَرِ أنواعِ الذُّنوبِ وأشَدِّها عُقوبةً في الآخِرةِ، ولم يَتَوعَّدِ اللَّهُ أحَدًا مِثلَما تَوعَّدَ المُنافِقينَ؛ وذلك لشِدَّةِ جُرمِهم وخَطَرِهم، وحَقيقَتُه إظهارُ الإسلامِ وحُبِّ الدِّينِ، وإبطانُ الكُفرِ والبُغضِ للدِّينِ، وقد كان الصَّحابةُ يَخافونَ على أنفُسِهم مِنَ النِّفاقِ أشَدَّ الخَوفِ ويَحذَرونَ مِنه.

وفي هذا يُخبرُ أبو عُثمانَ النَّهديُّ -وهو أحَدُ التَّابِعينَ- أنَّه كان عِندَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، وعُمَرُ يَخطُبُ النَّاسَ، وكان مِمَّا قال عُمَرُ في خُطبَتِه أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: إنَّ أخوَفَ ما أخافُ -أي: أنَّه إذا استَقصي أشَدَّ الأشياءِ المُخوفةِ لم يوجَدْ أخوفَ من ذلك، على أُمَّتي، أي: في إفسادِ دينِها، مِن مُنافِقٍ عليمِ اللِّسانِ، أي: عالمٍ للعِلمِ مُنطَلِقِ اللِّسانِ به، لكِنَّه جاهلُ القَلبِ فاسِدُ العَقيدةِ، يَغُرُّ النَّاسَ بكَلامِه، فيَقَعُ بسَبَبِ اتِّباعِه خَلقٌ كَثيرٌ في الزَّلَلِ. والمُرادُ به بَليغُ القَولِ فيما تَستَميلُ به القُلوبُ، حُلوُ العِبارةِ قَويمُ الحُجَّةِ، فيُضِلُّ به العِبادَ، ونِسبةُ العِلمِ إلى اللِّسانِ مَعَ أنَّ العِلمَ حُصولُ صُوَرِ الشَّيءِ في العَقلِ أو عِندَه؛ لأنَّه فارِغُ القَلبِ عنِ العِلمِ واعتِقادِ الحَقِّ، بَل قَلبُه مَملوءٌ بالضَّلالاتِ واعتِقادِ الكُفْريَّاتِ، فعِلمُه ليسَ إلَّا في لسانِه.
وفي الحَديثِ بَيانُ خُطورةِ المُنافِقِ عليمِ اللِّسانِ .