خصَّ اللهُ سبحانه وتعالى بعضَ بِقاعِ الأرضِ ببَركاتٍ لم يَجعَلْها في غيرِها، وقد مدَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهلَ اليَمنِ؛ لِمُسارَعتِهِم إلى الدَّعوَةِ ومُبادرتِهِم إلى قَبولِ الإيمانِ؛ فإنَّهمُ استَجابوا للإسلامِ بدُونِ مُحاربةٍ.
وفي هذا الحديثِ، "خرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزوةٍ مِن مَغازِيه"، قِيل: هي غَزوةُ تَبوكَ سَنةَ ثمانٍ مِن الهجرةِ، "فنَزَلْنا مَنزِلًا، فأتَيناهُ فيه، فرفَعَ يَديْه وقالَ: الإيمانُ يِمانٍ، والحكمةُ هاهنا إلى لَخْمٍ وجُذامَ"، يعني: أنَّ الإيمانَ والحِكمةَ يُنسَبانِ إلى أهلِ اليَمنِ؛ لِانقيادِهِم إلى الإيمانِ مِن غَيرِ تَكلُّفٍ، فيكونُ صَفاءُ القلْبِ ورِقَّتُه ولِينُ جَوهرِه يُؤدُّون بالعبْدِ إلى عِرفانِ الحقِّ والتَّصديقِ به، فتكونُ قُلوبُهم مَعادنَ الإيمانِ، ويَنابيعَ الحِكمةِ، وهي قُلوبٌ مَنشؤها اليمَنُ، نُسِبَ إليه الإيمانُ والحِكمةُ معًا لانتسابِها إليه؛ تَنويهًا بذِكْرِها، وتَعظيمًا لِشأْنِها، ولَخْمٌ وجُذامُ قَبيلتانِ مِن اليمنِ، وقولُه: "يمانٍ": منسوبٌ إلى اليمَنِ. وقيل: معنى "الإيمانُ يمانٍ" أنَّه مكِّيٌّ؛ لأنَّه بدَأَ مِن مكَّةَ ونشَأَ منها، وإنَّما أضافَهُ إلى اليمنِ؛ لأنَّ مكَّةَ يَمانيَّةٌ؛ فإنَّها مِن تِهامةَ، وتِهامةُ مِن أرْضِ اليمَنِ.
وقيل: أرادَ به النِّسبةَ إلى مكَّةَ والمدينةِ، وهما كانا مِن ناحيةِ اليمنِ حيث قال ذلك؛ فإنَّه عليه السَّلامُ إنَّما قاله وهو بتَبوكَ مِن ناحيةِ الشَّامِ.
وقيل: أرادَ به النِّسبةَ إلى الأنصارِ؛ فإنَّهم نَصَروا الحقَّ وأظْهَروا الدِّينَ، وهم يَمانيَّةٌ.