حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: «يا عائشة، قومك أسرع أمتي بي لحاقا» ، قالت: فلما جلس، قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداءك، لقد دخلت وأنت تقول كلاما ذعرني، قال: «وما هو؟» قالت: تزعم أن قومك أسرع أمتك بك لحاقا، قال: «نعم» ، قالت: ومم ذاك؟ قال: «تستحليهم [ص:66] المنايا، وتنفس عليهم أمتهم» ، قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك، أو عند ذلك،؟ قال: «دبى، يأكل شداده ضعافه، حتى تقوم عليهم الساعة» ، قال أبو عبد الرحمن: " فسره رجل: هو الجنادب التي لم تنبت أجنحتها "
كانت لقُرَيشٍ مَكانةٌ عَظيمةٌ عِندَ العَرَبِ قَبلَ الإسلامِ، فهم أهلُ حَرَمِ اللَّهِ؛ ولهذا لمَّا بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَدَأ يَدعوهم إلى اللهِ؛
لأنَّهم لَو آمَنوا فسيُؤمِنُ بَقيَّةُ العَرَبِ، وكان العَرَبُ يَنتَظِرونَ ما يَنتَهي إلَيه أمرُ قُرَيشٍ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَقولونَ: اترُكوه وقَومَه؛ فإنَّه إن ظَهَرَ عليهم فهو نَبيٌّ صادِقٌ، فلمَّا كانت وقعةُ فَتحِ مَكَّةَ بادَرَ كُلُّ قَومٍ بإسلامِهم، واستَمَرَّت هذه المَكانةُ لقُرَيشٍ حَتَّى بَعدَ الإسلامِ، وقد قال أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه عِندَما اختَلَف الصَّحابةُ فيمَن يَكونُ الخَليفةُ بَعدَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأرادَ الأنصارُ أن تَكونَ فيهم: ولَن يُعرَفَ هذا الأمرُ إلَّا لهذا الحَيِّ مِن قُرَيشٍ، هم أوسَطُ العَرَبِ نَسَبًا ودارًا. وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الخِلافةَ باقيةٌ في قُرَيشٍ ما بَقيَ فيهم خَيرٌ، وإذا ذَهَبَت قُرَيشٌ هَلَكَ النَّاسُ، وقد دَخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها فقال: يا عائِشةُ، قَومُك، أي: قُرَيشٌ، أسرَعُ أُمَّتي بي لَحاقًا، أي: بَعدَ مَوتي. قالت عائِشةُ: فلَمَّا جَلَسَ رَسولُ اللهِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، جَعَلَني اللهُ فداءَك، أي: أفديك بنَفسي، لَقد دَخَلتَ وأنتَ تَقولُ كَلامًا ذَعَرني، أي: أفزَعَني، فقال: وما هو؟ قالت: تَزعُمُ أنَّ قَومي أسرَعُ أُمَّتِك بك لَحاقًا؟ فقال: نَعَم. قالت: ومِمَّ ذاكَ؟ أي: ما سَبَبُ سُرعةِ لَحاقِهم بك، فقال رَسولُ اللهِ: تستحليهم المَنايا. مِنِ استَحلَيتُه: وَجَدتُه حُلوًا، أي: تَغلِبُهمُ المَنايا، جَمعَ مَنيَّةٍ، وهيَ المَوتُ، كما يَغلِبُ الأكلُ على ما وجَدَه حُلوًا. وتَنفَسُ عليهم أُمَّتُهم. مِنَ النَّفاسةِ، أي: يَحسُدونَهم على ما أوتوا. قالت: فكَيف النَّاسُ بَعدَ ذلك أو عِندَ ذلك؟ أي: كَيف سَيَكونُ حالُ النَّاسِ بَعدَ ذَهابِ وهَلاكِ قُرَيشٍ؟ فقال رَسولُ اللهِ: دَبًى -وهو صِغارُ الجَرادِ قَبلَ أن يَطيرَ، وقيلَ: نَوعٌ يُشبِهُ الجَرادَ، جَمعُ دباةٍ- يَأكُلُ شِدادُه، أي: يَأكُلُ قَويُّه، ضِعافَه حَتَّى تَقومَ السَّاعةُ
وفي الحَديثِ بَيانُ أنَّ قُرَيشًا أسرَعُ النَّاسِ لُحوقًا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفيه فَضلُ قُرَيشٍ ومَكانتُهم
وفيه أنَّ ذَهابَ قُرَيشٍ مِن أشراطِ السَّاعةِ
وفيه فسادُ حالِ النَّاسِ بَعدَ قُرَيشٍ