‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم 4

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم 4

حدثنا هشيم، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعيره، واستلم الحجر بمحجن كان معه، قال: وأتى السقاية، فقال: " اسقوني "، فقالوا: إن هذا يخوضه الناس، ولكنا نأتيك به من البيت، فقال: " لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب منه الناس "

 في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ العبَّاسِ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طافَ بالبَيتِ، وهو على بَعيرِهِ" راكِبًا للجَمَلِ، "واستَلَمَ الحَجَرَ بمِحْجَنٍ كان معه" يَستلِمُ الحَجَرَ الأسوَدَ، ويَلمِسُهُ بمِحْجَنٍ، وهيَ العَصا المُعْوجَّةُ الطَّرَفِ، فيُشيرُ بها إلى الحَجَرِ، ثُمَّ يُقبِّلُ المِحْجَنَ من الجُزْءِ الَّذي لَمَسَ الحَجَرَ الأسوَدَ كما في روايةِ مُسلِمٍ من حَديثِ أبي الطُّفَيلِ رضِيَ اللهُ عنه، وفعَلَ ذلِكَ كَراهيةَ أنْ يُضرِبَ عنه النَّاسُ، يَعني أنَّه لَو طافَ ماشيًا لانصَرَفَ النَّاسُ عنِ الحَجَرِ كُلَّما مرَّ إليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَوقيرًا له أنْ يُزاحِمَ، أو فعَلَ ذلِكَ؛ ليَسمَعَ النَّاسُ كلامَهُ، وليَرَوا مَكانَهُ، ولا تَنالُهُ أيديهِم لرُؤيتِهِ، وللاقتِداءِ به، وفي بَعضِ الرِّواياتِ أنَّه طافَ راكِبًا لِمَرَضٍ كان به، "قال: وأتَى السِّقايةَ"، وهي المَكانُ الَّذي يَسقي بها ماءَ زَمزَمَ في المَوسِمِ وغَيرِهِ، وكان العبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ هو المَسْؤولُ عن السِّقايةِ، "فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اسْقوني، فقالوا: إنَّ هذا يخوضُهُ النَّاسُ" فيَشرَبون منه، ويُدخِلونَ أيْدِيَهم فيها، "ولكِنَّا نَأتيكَ به من البَيتِ"، أي: من بَيتِ العبَّاسِ، فطَلَبَ العبَّاسُ من وَلدِهِ الفَضْلِ أنْ يَذهَبَ إلى أُمِّهِ أُمِّ الفَضلِ، وهي لُبابةُ بِنتُ الحَارِثِ الهِلاليَّةُ، فيَأتيَ بشرابٍ من عِندِها لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا حاجةَ لي فيه؛ اسْقوني ممَّا يَشرَبُ منه النَّاسُ"، فشَرِبَ من مَوضِعِ شَرابِ النَّاسِ، ومن نَفسِ الماءِ الَّذي يَشرَبونَ منه، وهذا من تَواضُعِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجَميلِ خُلُقِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

وفي الحَديثِ: الطَّوافُ حَولَ الكَعْبةِ رُكوبًا.

 وفيه: استِلامُ الحَجَرِ الأسوَدِ، والإشارةُ إليه بِعَصًا وتَقْبيلُها.

وفيه: بَيانُ أنَّ المُسلِمينَ سواءٌ في المُعامَلةِ أعْلاهُم مِثلُ أدْناهُم.