مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 155
مسند احمد

حدثنا عفان، وإسحاق بن عيسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن الحجاج، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن علي، قال: وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين، فبعت أحدهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما فعل الغلامان؟ " فقلت: بعت أحدهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رده " (3)
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه -وكان قدْ خَدَم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عشْرَ سِنينَ- أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاءهُ وهو يَلعَبُ مع «الغِلمانِ»، وَهُمُ الصِّبيانُ الصِّغارُ، فأَلْقَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم السَّلامُ، وهذا مِن تَلطُّفِه ومَحبَّتِه للصِّغارِ، ثمَّ طلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنسٍ أنْ يذهَبَ لِيَقضيَ له حاجةً، وفي رِوايةٍ أُخرى في الصَّحيحينِ: «أسَرَّ إلَيَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِرًّا»، فذهَبَ أنسٌ كما أمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَأخَّرَ على أُمِّه، ثمَّ رَجَع إليها بعْدَما قَضى لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجتَه، فسَألتْه أُمُّه أُمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها: «ما حَبَسَكَ؟»، أي: ما مَنَعَكَ وسَببُ تَأخُّرِك؟ فأخبَرَها أنَّه كان يَقْضى حاجةً لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألتْه أُمُّه عن تلك الحاجةِ الَّتي أرسَلَه فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال لها أنسٌ رضيَ اللهُ عنه: «إنَّها سِرٌّ» لا يَنْبغي لي أنْ أُعلِنَها، فأيَّدَتْه أُمُّه في ذلك وحذَّرَتْه مِن إفشائهِا؛ للتَّأكيدِ عليه، وأمَرَتْه ألَّا يُخبِرَ أحدًا بشَيءٍ اسْتأمَنَه عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
ثمَّ قال أَنَسٌ لِثابِتٍ البُنانيِّ تَلميذِهِ وأقسَمَ له أنَّه لوْ كان أخبَرَ أحدًا بهذا لَأخبَرَ ثابِتًا بذلك، وهذا يدُلُّ على محبَّةِ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه لِثابِتٍ، والمعنى: أنَّه حافَظَ على السِّرِّ حتَّى بعْدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الحديثِ: بيانُ أمانةِ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه وحُسْنِ خُلُقِه
وفيه: بَيانُ فضْلِ الصَّحابيِّ الجليلِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ حيثُ كان مُحافِظًا لسِرِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: بَيانُ فَضلِ أُمِّ سُليمٍ رَضيَ اللهُ عنهما ورَجاحةِ عَقلِها، وحَصافةِ رَأيِها؛ حيثُ حثَّتِ ابنَها على مُحافَظةِ سِرِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأكَّدَت عليه
وفيه: الحثُّ على المحافَظةِ على السِّرِّ
وفيه: السَّلامُ على النَّاسِ كلِّهم، حتَّى الصِّبيانِ المميِّزينَ