مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 290
مسند احمد

حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن علي، قال: كان للمغيرة بن شعبة رمح، فكنا إذا خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة خرج به معه، فيركزه فيمر الناس عليه فيحملونه، فقلت: لئن أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأخبرنه، فقال: " إنك إن فعلت لم ترفع ضالة "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخرُجُ مَعَ أصحابِه للغَزوِ، وكان المُغيرةُ بنُ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه يَخرُجُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الغَزوِ ويَحمِلُ مَعَه رُمحًا له ليُجاهِدَ به، ثمَّ يركِزُ المُغيرةُ رُمحَه في الأرضِ
أي: يُثبِّتُه عَمدًا ثمَّ يَترُكُه ويَذهَبُ، فيَمُرُّ النَّاسُ حَولَ الرُّمحِ فيَأخُذونَه للمُغيرةِ، فلمَّا رَأى عَليُّ بنُ أبي طالبٍ هذا المَوقِفَ قال: إذا أتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسأخبرُه بهذا الأمرِ وبفِعلِ المُغيرةِ، فلمَّا أخبَرَ عَليٌّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمُغيرةِ: لا تَفعَلْ ذلك يا مُغيرةُ، كما في الرِّوايةِ الأخرى، بل احمِلْ رُمحَك مَعَك ولا تَترُكْه؛ فإنَّك إن تَرَكتَ رُمحَك في الأرضِ فسوف يَظَلُّ في الأرضِ ولن يَرفعَه أحَدٌ على أنَّه ضالَّةٌ، أي: لُقَطةٌ، وإنَّما سيَرفعُه متمَلِّكًا له؛ لأنَّك تَرَكتَه عمدًا، فكُلُّ مَن يَرفعُ الشَّيءَ ويَرى صاحِبَه تَرَكَه عمدًا لا يَرُدُّ ضالَّةً، والمَعنى: أنَّك إن تَعَوَّدتَ هذا الفِعلَ تَرَكَها النَّاسُ؛ لأنَّ المَقصودَ من رَفعِ الضَّالَّةِ هو حِفظُها لِمَن فقدَها لا لمَن تَعَمَّد تَركَها، فلو قُدِّرَ أنَّك تَرَكتَها نِسيانًا لا يُعَرِّفُها أحَدٌ لفهمِه أنَّك تَرَكتَها عَمدًا، وإن رَفعَها لا يوصِلُها إليك بزَعمِه أنَّك تَرَكتَها عَمدًا استِغناءً عنها
وفي الحَديثِ بَيانُ عَدَمِ تَركِ الإنسانِ حاجَتَه عَمدًا؛ حتَّى لا يَأخُذَها غَيرُه اعتمادًا على أنَّه تَرَكَها مستغنيًا عنها