"باب" حديث: "أربعة كلهم يدلي على الله القيامة بحجة وعذر رجل مات في الفترة...."238
السنة لابن ابي عاصم

ثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن حميد ومطر الوراق وداود ابن أبي هند وعامر الأحول عن عمرو بن شعيب أحسبه عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر هذا ينزع آية وهذا ينزع آية فكأنما سفي1 في وجهه حب الرمان فقال:
"ألهذا خلقتم أم بهذا أمرتم لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض انظروا ما أمرتم به فاتبعوه وما نهيتم عنه فاجتنبوه"
حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمَّتَه من سُلوكِ سُبُلِ الأممِ الهالِكةِ، الَّذِينَ استحقُّوا عذابَ اللهِ عزَّ وجلَّ بمُخالفتِهم أنبياءَهم واختلافِهم عليهم والتَّنازُعِ في أمْرِ القدَرِ والاختِلافِ فيه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "خرَج علينا"، أي: نحنُ صحابةَ رَسولِ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ "رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ونحنُ نتَنازَعُ في القَدَرِ"، أي: نتحدَّثُ في أمرِ القَضاءِ والقدَرِ ونَختَلِفُ فيه، "فغَضِب حتَّى احمرَّ وجهُه"، أي: فغَضِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حتَّى بانَتْ علاماتُ الغضَبِ في وَجْهِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حتَّى كأنَّما "فُقِئ"، أي: فُقِعَ ونُثِر "في وَجْنتَيه"، أي: في خَدَّيه، "الرُّمَّانُ"، أي: حَبُّ الرُّمَّانِ، فاحمَرَّ وجهُه مِن الغضبِ، "فقال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُنكِرًا: "أبِهذا أُمِرتُم"، أي: هل أمَرَكم اللهُ بالانشِغالِ والتَّنازُعِ في هذا الأمرِ؟! وهذا استنكارٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لفِعْلِهم، "أم بِهذا أُرسِلتُ إليكم؟!"، أي: هل أرسَلني اللهُ إليكم بمِثلِ هذا ولأجْلِ هذا؟! وهذا استِنْكارٌ آخَرُ منه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "إنَّما هلَك" مِن الهَلاكِ والضَّياعِ والانحرافِ، "مَن كان قَبْلَكم"، أي: مِن الأُممِ السَّابقةِ الهالِكَةِ، "حين تَنازَعوا في هذا الأمرِ"، أي: حين تَحدَّثوا في أمرِ القدَرِ واختَلفوا فيه. ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "عزَمتُ عليكم"، أي: أوجبتُ عليكم وأكَّدتُ عليكم وأقسمتُ عليكم، "ألَّا تتَنازعوا فيه"، أي: ألَّا تتَحدَّثوا في القدَرِ، ولا تبحَثوا فيه ولا تتَناقَشوا فيه ولا تَختَلِفوا فيه حتَّى لا تَهلِكوا كما هلَكَت الأممُ قبلَكم، وهذا النهيُ في مُجرَّدِ الجدالِ والاختلافِ فيه، وأمَّا المذاكرةُ والمناقشةُ في تَعليمِ مسائلِ القَدرِ وكيفيَّةِ الإيمانِ الصَّحيحِ به؛ فليس داخلًا في هذا النَّهي، بل هو من العِلمِ المأمورِ بتَعلُّمِه وتَعليمِه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن التَّنازُعِ في القضاءِ والقدَرِ.
وفيه: الأمرُ بالاتِّباع وعدَمِ الخوضِ فيما فيه الهلاكُ.