باب: ذكر أخذ ربنا الميثاق من عباده114

السنة لابن ابي عاصم

باب: ذكر أخذ ربنا الميثاق من عباده114

ثنا سليمان بن عبد الجبار ثنا حسين بن محمد المروزي ثنا جرير ابن حازم عن كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أخذ الله تعالى الميثاق من ظهر آدم صلى الله عليه بـ" نعيمان" يعني عرفة: فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر كلهم مثلا". وقال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل، وكنا ذرية من بعدهم. أفتهلكنا بما فعل المبطلون}

 في هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ اللهَ أخَذَ الـمِيثاقَ"، أي: العهْدَ "مِن ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ" وهو وادٍ في مكَّةَ في جَبلِ التَّنْعِيمِ بيْن جَبَلَيْ نُعَيْمٍ، وناعِمٍ، وقيل: وادٍ في طَريقِ الطائفِ يَخرُجُ إلى عَرَفاتٍ، وقيل: وادٍ وراءَ عَرَفَةَ، يُقال له: نَعْمَانُ الأَرَاكِ، أو نَعْمَانُ السَّحَابِ، "يومَ عَرَفةَ"، أي: مُوافِقًا يومَ عَرَفةَ، وهو يومُ التاسعِ مِن ذي الحِجَّةِ، "وأخْرَجَ مِن صُلْبِه"، أي: مِن فَقراتِ ظَهْرِه، "كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَاها"، أي: كُلَّ نَسَمَةٍ هو خَالِقُها إلى يومِ القيامةِ، "فنثَرَهم بيْن يَديهِ كالذَّرِّ" والمعنى أنَّه سُبحانه نشَرَهم وفرَّقَهم وألْقاهم مِثْلَ النملِ الصغيرِ؛ بَيانًا لكثْرَتِهم، "ثم كلَّمَهم قُبُلًا" والمعنى خاطَبَهم اللهُ سُبحانه مُواجَهةً عِيانًا ومُقابلةً، لا مِن وَراءِ حِجابٍ، "قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]" فأجابوا: أنت رَبُّنا، أنت رَبُّنا، والصحيحُ أنَّ جَوابَهم بقولِهم: {بَلَى} كان بالنُّطقِ، وهم أحياءٌ، عُقلاءُ. {شَهِدْنَا} هذا مِن تَتِمَّةِ الـمَقُولِ، أي: شَهِدْنا على أنْفُسِنا بذلك، وأقْرَرْنا بوَحْدانيَّتِك، {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، أي: حتى لا تقولوا يومَ القيامَةِ: فعَلْنا ذلك كَراهةً، أو المعنى: أنْ تَقُولوا احتجاجًا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا}، أي: الميثاقِ أو الإقرارِ بالرُّبوبيَّةِ، {غَافِلِينَ}، أي: جاهلينَ لا نَعْرِفُه، ولا نُبِّهْنا عليه.