باب ما يقرأ على المعتوه والملدوغ

باب ما يقرأ على المعتوه والملدوغ

روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: انطلق نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شئ، لا ينفعه شئ (1) فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض شئ، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط ; إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شئ، لا ينفعه شئ، فهل عند أحد منكم من شئ؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا (2) ، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: (الحمد لله رب العالمين) (3) ، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة، فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا، فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فقال: " وما يدريك أنها رقية "؟ ثم قال: " قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهما "، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا لفظ رواية البخاري، وهي أتم الروايات.
وفي رواية " فجعل يقرأ أم الكتاب ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ الرجل ".
وفي رواية: " فأمر له بثلاثين شاة ".

كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على أخذ رأي النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يستجد من أمورهم، حتى ولو كان عملا صالحا في ظاهره، حتى يقره أو ينهى عنه
وفي هذا الحديث يروي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم انطلقوا في أحد أسفارهم، وكان معهم أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، كما في الصحيحين، فمروا أثناء سفرهم على قبيلة، فسألوهم الضيافة المعتادة، فامتنعوا من ضيافتهم، فبينما هم في ديارهم، إذا برئيس القبيلة تلسعه عقرب فتسمم جسمه، واشتدت عليه آلامه، فسعت جماعته في علاجه وتطبيبه، فلم يفلح علاجهم معه، فقال أحدهم: «لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا» يقصد بذلك الصحابة رضي الله عنهم -والرهط: الجماعة من الرجال ما دون العشرة، وقيل: ما دون الأربعين- لعل عندهم شيء ينفع في العلاج، فأخبرهم أحد الصحابة رضي الله عنهم أنه سيعالجه بالرقية، بشرط أن يعطوهم أجرة على علاجه؛ وذلك لمنعهم ضيافتهم لهم، فاتفقوا معه على قطيع من الغنم يدفع إليهم مقابل علاجهم لمريضهم، وفي رواية: «ثلاثين شاة»، فذهب معهم إلى المريض، وأخذ يتفل عليه من ريقه وهو يقرأ فاتحة الكتاب، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «فكأنما نشط من عقال»، أي: انقطعت آلامه فورا كأنما كان مربوطا بحبل وأطلق منه، فانطلق يمشي وما به قلبة، أي: داء وعلة؛ سمي به لأن صاحبه يقلب من أجله؛ ليعلم موضع الداء منه، فأعطوهم القطيع من الغنم الذي تعاقدوا معهم عليه، فقال بعض الصحابة: نقسم هذا القطيع بيننا، ونأكله، فنهاهم الرجل الذي رقى المريض -وهو أبو سعيد رضي الله عنه، كما في مسند أحمد- حتى يصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبروه بقصتهم، فلما جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحكوا له ما حدث لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم للراقي: ما يدريك أن الفاتحة رقية عظيمة، وشفاء من الأدواء والأسقام؟ وكان جواب أبي سعيد رضي الله عنه -كما في رواية أحمد في المسند-: «ألقي في روعي»، أي: فراسة وإلهام من الله تعالى، وعملت بمقتضاه، وهذا توفيق من الله تعالى. ثم قال صلى الله عليه وسلم: قد أصبتم ووفقتم فيما ألهمتم به، وفي علاجكم لهذا الرجل اللديغ؛ حيث كنتم سببا في نجاته، ثم أمرهم أن يقسموا تلك الأغنام، وشاركهم فيها صلى الله عليه وسلم، تطييبا لقلوبهم؛ ليعلموا أنه خال من كل شبهة
وفي الحديث: الرقية بشيء من كتاب الله تعالى، وأن سورة الفاتحة فيها شفاء؛ ولهذا من أسمائها (الشافية).
وفيه: دليل على أن القرآن وإن كان كله مرجو البركة، ففيه ما يختص بالرقية دون جميعه.
وفيه: أخذ الأجرة على الرقية.
وفيه: تورع الصحابة عن أخذ شيء قبل معرفة الحكم الشرعي فيه.