حديث أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
مسند احمد

حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، عن سعيد بن جمهان، قال: سمعت سفينة يحدث أن رجلا ضاف علي بن أبي طالب فصنعوا له طعاما، فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا، فأرسلوا إليه، فجاء فأخذ بعضادتي الباب، فإذا قرام قد ضرب به في ناحية البيت، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع، فقالت فاطمة لعلي: اتبعه، فقل له: ما رجعك؟ فتبعه، فقال: ما رجعك يا رسول الله؟ قال: «إنه ليس لي، أو ليس لنبي، أن يدخل بيتا مزوقا»
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ عِشرةً لأصحابِه، وأحْسنَهم تعليمًا، وكان يُوجِّهُ أصحابَه إلى الصَّوابِ في الأمورِ، ويُعلِّمُهم الأَوْلى لهم
وفي هذا الخبرِ يُخْبِرُ سفينةُ أبو عبدِ الرَّحمنِ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجُلًا أضاف عليَّ بنَ أبي طالبٍ"، أي: صار ضَيفًا له "فصنَعَ" عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه للضَّيفِ، "طعامًا، فقالت فاطمةُ: لو دَعَونا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأكَلَ معنا"، أي: لكانَ أحسَنَ وأبرَكَ، "فدَعَوه فجاء، فوضَعَ"، أي: النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "يَدَه على عِضادَتيِ البابِ"، أي: جانِبَيِ البابِ وحافَتَيْه، "فرأى قِرامًا" وهو ثوبٌ رَقيقٌ من صُوفٍ فيه ألوانٌ ونُقوشٌ، يُتَّخَذُ سِتْرًا، ويُغَطَّى به الأقمشةُ والهوادجُ، "في ناحيةِ البيتِ"، أي: جنبٍ مِن جَوانبِه، والمُرادُ أنَّه وُضِعَ للزِّينةِ، "فرجَعَ، فقالتْ فاطمةُ لعليٍّ: الْحَقْ، فقُلْ له: ما رجَعَك يا رسولَ اللهِ؟" أي: عن سَببِ تَركِ الدُّخولِ للبيتِ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّه ليس لي"، أي: بالخُصوصِ، أو لي وأمثالي، أو على العُمومِ، "أنْ أدخُلَ بيتًا مُزَوَّقًا" التَّزويقُ: التَّزيينُ والنَّقشُ، وتَزويقُ البُيوتِ ليس مُنْكَرًا، فلو كان مُنكَرًا لأنْكرَهُ عليها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تَصريحًا، ولكنَّه نبَّه بالرُّجوعِ إلى أنَّه تَرْكٌ للأَولَى ومِنَ التَّكَلُّفِ، وأنَّه مِن زينةِ الدُّنيا، وهي مُوجِبةٌ لنُقصانِ الأُخْرى. وقد عَدَّ بعضُ العُلماءِ عدمَ دُخولِ البيتِ المُزوَّقِ من خَصائصِ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فهو يُشبِهُ أفعالَ الجبابرةِ، وقد استعمَلَه مُلوكُ الدُّنيا في قُصورِهم وغيرُهم
وفي الحديثِ: التَّنَزُّهُ والبُعدُ عن المشْتَبهاتِ وما هو خِلافُ الأَوْلَى، وأنَّه ينبَغِي على العُلماءِ التَّنْبيهُ على المشتْبهَاتِ إذا رَأَوْها
وفيه: تَربيةٌ نَبويَّةٌ على عَدمِ التَّكلُّفِ في زِينةِ الحَياةِ الدُّنيا