حدثنا أبو الوليد، وعفان، قالا: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، سمعت إياد بن لقيط، يقول: سمعت ليلى، امرأة بشير أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أصوم يوم الجمعة [ص:286]، ولا أكلم ذلك اليوم أحدا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها، أو في شهر، وأما أن لا تكلم أحدا، فلعمري لأن تكلم بمعروف، وتنهى عن منكر خير من أن تسكت»
الصِّيامُ منَ العِباداتِ الفاضِلةِ الجَليلةِ، وقد اختَصَّ اللَّهُ تعالى الصَّائِمينَ بالجَزاءِ العَظيمِ، والصِّيامُ منه ما هو فَرضٌ، ومنه ما هو تَطَوُّعٌ، وكان النَّبيُّ صَلَّى عليه وسَلَّمَ كَثيرَ الصِّيامِ، فكان يَصومُ الاثنَينِ والخَميسَ وثَلاثةَ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ، وغَيرَها، ومِنَ الأحكامِ المُتَعَلِّقةِ بصَومِ التَّطَوُّعِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن إفرادِ يَومِ الجُمُعةِ بالصِّيامِ، وأرشَدَ مَن أرادَ أن يَصومَ الجُمُعةَ أن يَصومَ يَومًا قَبلَه أو يَومًا بَعدَه، ولا يُفرِدَه، ولمَّا سَألَ بَشيرُ بنُ مَعبَدٍ رَضِيَ اللهُ عنه رَسولَ اللهِ عن صَومِ يَومِ الجُمُعةِ ولا يُكَلِّمُ في ذلك اليَومِ أحَدًا، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَصُمْ يَومَ الجُمعةِ إلَّا في أيَّامٍ هو أحَدُها، أي: يَكونُ الجُمعةُ مِن ضِمنِ مَجموعةٍ مِنَ الأيَّامِ وليس مُنفرِدًا، ولَكِن لَيسَتِ الأيَّامُ بشَرطٍ في ذلك، فيَكفي أن يَصومَ يَومًا قَبلَه أو يَومًا بَعدَه، كما جاءَ في رِوايةٍ أُخرى. أو في شَهرٍ، أي: أنَّه لَو تَعَوَّدَ صيامَ شَهرٍ فلَه أن يَصومَ أيَّامَ الجُمُعةِ مِنه. وأمَّا ألَّا يُكَلِّمَ أحَدًا، أي: أنَّه أيضًا عَزَمَ ألَّا يُكَلِّمَ أحَدًا، وهذا أشبَهُ بالنَّذرِ، فلَعَمْري -أي: أقسَمَ بحَياتِه، وهذا مِنَ اليَمينِ الذي جَرى عليه لسانُهم وليس مِنَ الحَلفِ بغَيرِ اللهِ، وقد جاءَ الحَلِفُ به في عِدَّةِ أحاديثَ، وقيلَ: إنَّ هذا كان قَبلَ النَّهيِ عنِ الحَلِفِ بغَيرِ اللهِ، أو كان مَأذونًا بهذا الإقسامِ وأنَّه مِن خَصائِصِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لأنَّ تَكَلَّمَ، أي تَتَكَلَّمَ، بمَعروف، وتَنهى عن مُنكَرٍ: خَيرٌ مِن أن تَسكُتَ، أي: أنَّ الكَلامَ في الخَيرِ خَيرٌ له مِنَ السُّكوتِ
وفي الحَديثِ النَّهيُ عن إفرادِ يَومِ الجُمُعةِ بصيامٍ
وفيه عَدَمُ مَشروعيَّةِ النَّذرِ بتَركِ الكَلامِ مُطلَقًا
وفيه أنَّ الكَلامَ في الخَيرِ والأمرَ بالمَعروفِ والنَّهيَ عنِ المُنكَرِ خَيرٌ مِنَ السُّكوتِ