حديث حفصة أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما 2
مسند احمد

حدثنا هاشم، قال: حدثنا أبو معاوية يعني شيبان، عن أبي اليعفور، عن عبد الله بن أبي سعيد المدني، عن حفصة بنت عمر، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فوضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن، فأذن له ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عمر يستأذن، فأذن له [ص:68] ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هيئته، وجاء ناس من أصحابه، فأذن لهم وجاء علي يستأذن فأذن له ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عثمان بن عفان فاستأذن، فتجلل ثوبه، ثم أذن له، فتحدثوا ساعة ثم خرجوا، فقلت: يا رسول الله، دخل عليك أبو بكر، وعمر، وعلي، وناس من أصحابك وأنت على هيئتك لم تحرك، فلما دخل عثمان تجللت ثوبك فقال: «ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة»
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُراعي أحْوالَ أصحابِه وطَبائعَهم، ويُنزِلُ كلَّ واحدٍ منهم مَنزلتَه
وفي هذا الحديثِ تقولُ حَفْصةُ بنتُ عُمَرَ زَوجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يومٍ قد وضَعَ ثَوبَه بينَ فَخِذَيْه" والفَخِذُ هو مَا بينَ الساقِ والوَرِكِ، وهي المِنطَقةُ اللَّحْميةُ المُمَدَّةُ فوقَ الرُّكبةِ منَ الأمامِ، وفي روايةِ مُسلِمٍ من حديثِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنه: " كاشِفًا عن فَخِذَيْه، أو ساقَيْه"، قالت حَفْصةُ: "فجاء أبو بَكرٍ فاسْتأذَنَ" للدخولِ والجلوسِ معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فأذِنَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على هَيْئَتِه"، وهو على تلك الحالِة، والتي فيها كَشْفٌ للفَخِذِ أوِ الساقِ، "ثم جاء عُمَرُ بمِثلِ هذه الصفةِ، ثم أُناسٌ من أصْحابهِ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على هَيْئَتِه" بمَعنى: أنَّ كلَّ مَن دخَلَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالَسَه والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على حالتِه، قالت: "ثم جاء عُثمانُ فاسْتأْذَنَ عليه، ثم أخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَوبَه فتَجَلَّلَه"، غطَّى فَخِذَيْه بالثوبِ، "فتَحَدَّثوا، ثم خَرَجوا" تكلَّمَ الصحابةُ معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وجالَسوه بعضَ الوَقتِ، ثم انْصَرَفوا من عندِه، "فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، جاء أبو بَكرٍ، وعُمَرُ، وعليٌّ، وناسٌ من أصحابِكَ، وأنتَ على حالِكَ"، كاشِفًا للفَخِذِ والساقِ، "فلمَّا جاء عُثمانُ تَجلَّلْتَ ثَوبَكَ، قال: أَوَلَا أسْتَحْيي ممَّن تَسْتَحْيي منه المَلائكةُ؟" غطَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَخِذَه واهتَمَّ لدُخولِ عُثمانَ اسْتِحْياءً له، لَمَّا كان الغالبُ عليه الحَياءَ، فجَزاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليه من جِنْسِ فِعلِه
والحَياءُ في الأصْلِ نَوْعانِ: ما كان خُلُقًا وجِبلَّةً غيرَ مُكتَسَبٍ، وهو مِن أجَلِّ الأخْلاقِ الَّتي يَمنَحُها اللهُ العَبدَ، ويَجبُلُه عليها؛ فإنَّه يكُفُّ عنِ ارْتِكابِ القَبائحِ، ودَناءةِ الأخْلاقِ، ويحُثُّ على استِعْمالِ مَكارمِ الأخْلاقِ ومَعاليها
والنَّوعُ الثَّاني: ما كان مُكتَسَبًا مِن مَعرفةِ اللهِ، ومَعرفةِ عَظَمتِه وقُربِه مِن عبادِه، واطِّلاعِه عليهم، وعِلمِه بخَائنةِ الأعْيُنِ وما تُخْفي الصُّدورُ؛ فهذا مِن أعْلى خِصالِ الإيمانِ، بل هو مِن أعْلى دَرَجاتِ الإحْسانِ
وفي الحديثِ: الحثُّ على تَوْقيرِ مَن يَستَحِقُّ منَ الناسِ، ولا سِيَّما منَ المَشايخِ والعُلَماءِ والصالِحينَ
وفيه: مَشْروعيَّةُ تَعَرِّي الرجُلِ في بَيتِه معَ سَترِ عَوْرَتِه
وفيه: مَشْروعيَّةُ الإذْنِ في دُخولِ الرجُلِ على غَيرِه
وفيه: فَضيلةٌ ومَنْقَبةٌ لعُثمانَ رضِيَ اللهُ عنه
وفيه: أنَّ الحَياءَ صِفةٌ خُلُقيَّةٌ مَمْدوحةٌ من صفاتِ المَلائكةِ