ذكر الإخبار عما يستحب للمرء من تحسين الخلق عند طول عمره209
صحيح ابن حبان

أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا جعفر بن عون قال حدثني بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال "ألا أخبركم بخياركم قالوا بلى يا رسول الله قال أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا" 1. [3: 53]
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وقد أمَرَ بحُسنِ الخُلُقِ، وبَيَّنَ أنَّ صاحِبَ الخُلُقِ الحَسَنِ له فَضلٌ كَبيرٌ، وأجْرٌ عَظيمٌ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأصحابِه ولِأُمَّتِه: "ألَا أُنَبِّئُكم بخِيارِكم؟"، أيْ: أفضَلِكم عِندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وليس المُرادُ بالأخيارِ هنا أشخاصًا بأعيُنِهم، بل مَن يَملِكونَ الخِصالَ التي سيُخبِرُ بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فطَلَبَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَعرِفةَ تلك الخِصالِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "خِيارُكم أطوَلُكم أعمارًا"، والمُرادُ به: الذي يَطولُ عُمُرُه ويَحسُنُ عَمَلُه، كما في حَديثِ التِّرمِذيِّ مِن رِوايةِ عَبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ، فأفضَلُ النَّاسِ هو مَن يَستَفيدُ بطُولِ عُمُرِه في الزِّيادةِ مِن حَسَناتِه، وبحُسنِ العَمَلِ مِنَ الطَّاعاتِ واتِّباعِ أوامِرِ اللهِ ورَسولِه، وهذا يَدُلُّ على سَعادةِ الدَّارَيْنِ والفَوزِ بالحُسنَيَيْنِ.
ثمَّ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مِن صِفاتِ خِيارِ الناسِ أيضًا أنَّهم "أحسَنُكم أخلاقًا"، والأحاسِنُ جَمعُ أحسَنَ، أيْ: أفضَلُكم وأجمَلُكم هم أصحابُ الخُلُقِ الحَسَنِ، الجامِعونَ لِلأخلاقِ الجَميلةِ بأنواعِها، التي تَرغَبُ فيها القُلوبُ الطَّيِّبةُ، وتَحتَرِمُها النَّفْسُ السَّويَّةُ، ويَحتَمِلُ أنْ يَكونَ حُسنُ الخُلُقِ عَطفًا على طُولِ العُمُرِ، فيَكونَ المَعنى المَدحَ لِمَن طالَ عُمُرُه وصاحِبُه في ذلك حَسَنُ الخُلُقِ.والأخلاقُ إمَّا أنْ تَكونَ جِبِلِّيَّةً فِطريَّةً، وإمَّا أنْ تُكتَسَبَ، وأفضَلُ الوَسائِلِ التي يَكتَسِبُ بها الإنسانُ الأخلاقَ الحَسَنةَ عَمَلُه بما في كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وما جاءَ في سِيرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَّتِه، واتِّخاذُ القُدوةِ الحَسَنةِ، ومُصاحَبةُ الأخيارِ، مع التَّعَوُّدِ والتَّكَلُّفِ عليها؛ حتى تَصيرَ عادةً، ويَتحَقَّقَ له أكبَرُ قَدْرٍ مِنَ الأخلاقِ الحَسَنةِ.