‌‌ذكر القصد الذي كان لأهل الجاهلية في استعمالهم الخير في أنسابهم62

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر القصد الذي كان لأهل الجاهلية في استعمالهم الخير في أنسابهم62

أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا علي بن الجعد الجوهري قال أنبأنا شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت مري بن قطري يحدث عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم وكان يفعل ويفعل قال "إن أباك أراد أمرا فأدركه يعني الذكر" قال قلت يا رسول الله إني أسألك عن طعام لا أدعه إلا تحرجا قال "لا تدع شيئا ضارعت النصرانية فيه" قال قلت إني أرسل كلبي فيأخذ صيدا ولا أجد ما أذبح به إلا المروة أو العصا قال "أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله" 1. [3: 65]

لق لقَبولِ الأعمالِ عِندَ اللهِ تعالى لا بُدَّ مِن تَوفُّرِ شَرطَينِ أساسَيَّينِ: الأوَّلُ: أن يَكونَ العَمَلُ خالصًا لوَجهِ اللهِ تعالى، كما قال سُبحانَه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، والشَّرطُ الثَّاني: أن يَكونَ العَمَلُ مُوافِقًا للشَّرعِ الذي أمَرَ اللهُ تعالى أن لا يُدانَ إلَّا به؛ ولهذا فمَن عَمِلَ عَمَلًا ولَم يُحَقِّقْ أحَدَ الشَّرطَينِ فإنَّه عَمَلٌ باطِلٌ ولا يُقبَلُ ولا يُنالُ عليه الثَّوابُ مِنَ اللهِ تعالى، يَقولُ اللهُ تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، فالعَمَلُ الصَّالحُ هو الموافِقُ لهَديِ وسُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعَدَمُ الإشراكِ باللهِ هو إخلاصُ العَمَلِ للهِ تعالى. وهذانِ الأصلانِ أصلانِ عَظيمانِ في قَبولِ الأعمالِ، فيَنبَغي على العَبدِ أن يَحرِصَ على أن يَجعَلَ عَمَلَه خالصًا للَّه، موافِقًا لهَديِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ولهذا لمَّا جاءَ عَديُّ بنُ حاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أبي -أي: حاتِمًا الطَّائيَّ المَشهورَ بالكَرَمِ والجودِ، وقد ماتَ في الجاهليَّةِ- كان يَصِلُ الرَّحِمَ، ويَفعَلُ ويَفعَلُ، أي: عَدَّ مَناقِبَ أبيه مِن أفعالِ البِرِّ والخَيرِ، فكَأنَّه قال: وكان يُطعِمُ المِسكينَ، وكان يَفُكُّ الرَّقَبةَ، فهَل له في ذلك؟ أي: هَل له من أجرٍ فيما كان يَفعَلُه؟ فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّ أباك طَلَبَ أمرًا، أي: إنَّ أباك لَم يَعمَلْ تلك الأعمالَ خالصةً لوَجهِ اللهِ، وإنَّما أرادَ أمرًا مِن أُمورِ الدُّنيا، وهو المَدحُ والذِّكرُ الجَميلُ في النَّاسِ بالكَرَمِ، فأصابَه، أي: قد تَحصَّل عليه، حَتَّى صارَ يُضرَبُ بكَرَمِه المَثَلُ. ولَكِنْ ليس له مِنَ الأجرِ شَيءٌ.

 وفي الحَديثِ أنَّ قَبولَ العَمَلِ يَكونُ بالإخلاصِ للهِ تعالى.

 وفيه أنَّ مَن عَمِلَ عَمَلًا أرادَ به الدُّنيا فلَيسَ له مِنَ الأجرِ شَيءٌ .