باب وجوب الحج وفضله 2
بطاقات دعوية

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا» فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم» ثم قال: «ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه». رواه مسلم. (1)
لقد أمر الشرع بفعل ما في الاستطاعة، والاجتناب التام للنواهي الشرعية، وأمر بالوقوف عند توجيهات الله ورسوله، وعدم تخطيها
وفي هذا الحديث يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس"، أي: قام فيهم خطيبا، فقال: "إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج"، أي: أوجب عليكم الحج والتوجه إلى بيته الحرام، والطواف حوله، مع الإتيان بكل الأركان بحسب ما أوضحه الشرع، "فقال رجل: في كل عام؟"، أي: هل فرض الله الحج علينا في كل عام؟ "فسكت عنه"، أي: لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم وسكت إعراضا عن هذا السؤال الذي فيه تشديد، "حتى أعاده ثلاثا"، أي: حتى أعاد الرجل سؤاله ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو قلت: نعم؛ لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها"، أي: لو أجبتك بقول: "نعم" لأصبح الأمر فرضا واجبا لازما أن يحج المسلم كل عام، وهذا فيه من المشقة والتعسير ما يخالف نهج الإسلام في التيسير
وظاهر هذا الحديث يقتضي أن أمر افتراض الحج كل عام كان مفوضا إليه حتى لو قال: نعم لحصل، وليس بمستبعد أن يأمر الله تعالى بالإطلاق ويفوض أمر التقييد إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل: "ذروني ما تركتكم"، أي: اتركوني واتركوا سؤالي إذا تركتم وتركت الرد عليكم، وهذا كان إشارة إلى كراهة السؤال في النصوص المطلقة والتفتيش عن قيودها، بل ينبغي العمل بإطلاقها قدر الاستطاعة حتى يظهر فيها قيد؛ "فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم"، أي: هلكوا بكثرة الأسئلة فيما لا يفيد مما تترتب عليه فرض أمور شاقة وصعبة عليهم، ولم يستطيعوا أداءها فهلكوا بالعصيان، "فإذا أمرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم"، أي: افعلوا من الأوامر ما تستطيعونه دون مشقة ولا تفريط، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، "وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه"، أي: إن النواهي التي أنهاكم عنها وأبلغكم عن الله بها فابتعدوا عنها تماما ولا تقربوها
وهذا بمعنى ما في قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]، وهذا توجيه وتربية نبوية للمسلمين على طاعة الله ورسوله قدر الاستطاعة والانتهاء عما نهى الله عنه، مع عدم التنطع في الدين وكثرة التشدق مع تشقيق الكلام فيما لا يفيد، والنهي عن كثرة السؤال عما لم يقع، وقد ورد في الصحيحين عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته"، وكذلك من سأل عن أمر فنزل التشديد فيه من أجل مسألته، وليس في هذا منع للسؤال، وإنما هو توجيه للتوقف عند أوامر الله ونواهيه