‌‌ذكر الإخبار بأن على المرء تعقيب الإساءة بالإحسان ما قدر عليه في أسبابه248

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر الإخبار بأن على المرء تعقيب الإساءة بالإحسان ما قدر عليه في أسبابه248

أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال حدثنا يزيد بن موهب قال حدثنا بن وهب عن حرملة بن عمران التجيبي أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدثه عن أبيه.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أراد سفرا فقال يا نبي الله أوصني قال "اعبد الله لا تشرك به شيئا قال يا نبي الله زدني قال إذا أسأت فأحسن قال يا رسول الله زدني قال استقم وليحسن خلقك" 1

مِمَّا حَثَّت عليه الشَّريعةُ حِفظُ اللِّسانِ؛ فمَن كان متكَلِّمًا فلا يَتَكَلَّمْ إلَّا بخَيرٍ، ويَجتَنِبُ كُلَّ قَولٍ باطِلٍ مِن سَبٍّ أو غِيبةٍ أو إساءةٍ لأحَدٍ، وبهذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يوصي مَن يَطلُبُ مِنه النَّصيحةَ؛ فقد جاءَ أعرابيٌّ -وهو مَن يَسكُنُ الباديةَ، واسمُه جابِرُ بنُ سُلَيمٍ أبو جُرَيٍّ الهُجَيميُّ- لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: يا رَسولَ اللهِ، أوصِني؟ فقال رَسولُ اللهِ: عليك بتَقوى اللهِ، وهذه وصيَّةٌ عَظيمةٌ، ومَعناها: أن يَجعَلَ العَبدُ بَينَه وبَينَ مَحارِمِ اللهِ وِقايةً وسَترًا فلا يَقَعُ فيها، وكثيرًا ما كان النَّبيُّ يوصي أصحابَه بهذه الوصيَّةِ، ثُمَّ قال له: وإنِ امرُؤٌ عيَّرَك، أي: وبَّخَك ولامَك، بشَيءٍ يَعلَمُه فيك، أي: مِنَ الذَّنبِ أوِ الأفعالِ القَبيحةِ، فلا تُعَيِّرْه -أي: توبِّخْه وتَلُمْه- بشَيءٍ تَعلَمُه فيه؛ وذلك حَتَّى يَكونَ وبالُه، أي: إثمُ وعاقِبةُ التَّعييرِ عليه، والوَبالُ هو سوءُ العاقِبةِ، وأجرُه لَك، أي: ثَوابُه لَك بتَركِك لحَقِّك وعَدَمِ انتِصارِك لنَفسِك، وكُفَّ عن مُقابَلَتِه بما يَستَحِقُّه مِن إذاعةِ نَقائِصِه ومواجَهَتِه بها، واحتَمِلْ أذاه، ثُمَّ قال له: ولا تَسُبَّنَّ شيئًا، أي: لا تَشتُمْ، وهذا عامٌّ يَشمَلُ عَدَمَ سَبِّ النَّاسِ أوِ الحَيَواناتِ أو غَيرِها؛ ولهذا جاءَ في رِوايةٍ أُخرى أنَّه قال -أي الصَّحابيُّ-: فما سَبَبتُ أحَدًا حُرًّا ولا عَبدًا، شاةً ولا بَعيرًا، فيَصيرُ الإنسانُ بذلك حافظًا للِسانِه، يَقولُ الأعرابيُّ: فما سَبَبتُ شَيئًا بَعدَه؛ امتثالًا لِما أرشَدَه إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ طَلَبِ الوصيَّةِ.
وفيه عِظَمُ الوصيَّةِ بتَقوى اللهِ تعالى.
وفيه خُطورةُ تَعييرِ الآخَرينَ.
وفيه خُطورةُ السَّبِّ .