ذكر كتبة الحسنات لمن سلم على أخيه المسلم بتمامه218
صحيح ابن حبان

أخبرنا عمر بن محمد الهمذاني قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثنا محمد بن جعفر يعني بن أبي كثير عن يعقوب بن زيد التيمي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رجلا مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال سلام عليكم " فقال عشر حسنات ثم مر رجل آخر فقال سلام عليكم ورحمة الله فقال عشرون حسنة فمر رجل آخر فقال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال ثلاثون حسنة فقام رجل من المجلس ولم يسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أوشك ما نسي صاحبكم إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس فإن قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة" 1. [1: 2]
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحُثُّ أصحابَه على اغتِنامِ الحَسَناتِ وزِيادةِ الأَجرِ، ويُشجِّعُهم على التَّسابُقِ في مَرْضاةِ اللهِ عَزَّ وجلَّ والتَّسارُعِ إلى جَنَّتِه.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجُلًا مَرَّ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو في مَجلِسٍ، فقال: السَّلامُ عليكم"، أي: ألْقى السَّلامَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه مُقتصِرًا على هذا اللَّفظِ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "عشْرُ حَسناتٍ" أيْ: له بقولِه: "السَّلامُ عليكم" عَشْرُ حَسناتٍ، أو كُتِبَ له بها عَشْرُ حَسناتٍ، "فمَرَّ رجُلٌ آخرُ، فقال: السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، فقال: عِشرونَ حَسنةً"، أي: له بقولِه: "السَّلامُ عليكم ورَحمةُ اللهِ" عِشْرونَ حسَنةً، أو كُتِبَ له بها عِشْرونَ حَسنةً، "فمَرَّ رجُلٌ آخرُ، فقال: السَّلامُ عليكم ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه، فقال: ثلاثونَ حَسنةً"، أي: له بقولِه: "السَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه" ثلاثونَ حَسنةً، أو كُتِبَ له بها ثَلاثونَ حسَنةً، والمقصودُ: أنَّ الرَّجُلَ الأوَّلَ أخَذَ عَشْرَ حَسناتٍ؛ لأنَّه قال: "السَّلامُ عليكُم" فقَطْ، والرَّجُلَ الثَّانيَ أخَذَ عِشْرينَ حَسنةً؛ لأنَّه زادَ: "ورحمةُ اللهِ"، فقال: "السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ"، والرَّجُلَ الثَّالثَ أخَذَ ثَلاثينَ حَسنةً؛ لأنَّه زادَ: "ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه"، فقال: "السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه". قال أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فقام رجُلٌ مِن المجلِسِ ولم يُسلِّمْ، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أوشَكَ ما نسِيَ صاحبُكم!" أي: نسِيَ أنْ يُسلِّمَ عندَ مُغادرتِه المجلِسَ مع عِلْمِه بفَضْلِ السَّلامِ والأجْرِ منذُ قليلٍ، "إذا جاء أحدُكم المجلِسَ"، أي: إذا وصَلَ أحَدٌ إلى مَوضِعِ جُلوسِ القومِ أو مكانِ تَجمُّعِهم، سواءٌ كان مَجلِسًا في المسجِدِ أو غيرِه، "فَلْيُسلِّمْ"، أي: فلْيُلْقِ عليهم السَّلامَ، "فإنْ بدَا له أنْ يَجلِسَ فَلْيجلِسْ"، أي: فإنْ أحَبَّ أنْ يَجلِسَ مع القومِ في مَجلِسِهم فلْيَجلِسْ معَهم، "وإذا قام- وفي رِوايةٍ: فإنْ جلَسَ ثمَّ بدا له أنْ يقومَ قبْلَ أنْ يتفرَّقَ المجلِسُ- فلْيُسلِّمْ"، أي: إذا أراد أنْ يَقومَ مِن المجلِسِ ويَذهَبَ، فلْيُلقِ عليهم السَّلامَ قبْلَ أنْ يَذهَبَ ويَترُكَ المجلِسَ، "ما الأُولى بأحقَّ مِن الآخرةِ"، أي: فكما ألْقَى السَّلامَ عندَ حُضورِه المجلِسَ، فلْيُلقِ السَّلامَ عندَ ترْكِه المجلِسَ؛ فليس تَسليمُه عندَ حُضورِه أَوْلى مِن تَسليمِه عندَ انصرافِه. وقيل: كما أنَّ التَّسليمةَ الأُولى إخبارٌ عن سَلامتِهم مِن شَرِّه عندَ الحُضورِ، فكذا الثَّانيةُ إخبارٌ عن سَلامتِهم مِن شَرِّه عندَ الغَيبةِ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على إفشاءِ السَّلامِ والتَّسليمِ على المجلِسِ عندَ الحُضورِ والانصرافِ.
وفيه: زِيادةُ الأَجرِ بزِيادةِ ألْفاظِ السَّلامِ.