مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 173

مسند احمد

مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 173

حدثنا أبو سعيد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب، فلم يأكله، ولم ينه عنه، قلت: يا رسول الله، أفلا نطعمه المساكين؟ قال: «لا تطعموهم مما لا تأكلون»

خَلقَ اللهُ الأرضَ وما فيها وسَخَّرَها للإنسانِ وأباحَ له ما فيها مِنَ الطَّيِّباتِ مِنَ المَآكِل والمُشارِبِ

 فقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]، وقد كان العَرَبُ قَبلَ الإسلامِ يَأكُلونَ جَميعَ أنواعِ الحَيَواناتِ ولا يَمتَنِعونَ عن حَيَوانٍ مُعَيَّنٍ، ومِن ضِمنِ الحَيَواناتِ التي كانت تَأكُلُها العَرَبُ قَبلَ الإسلامِ الضَّبُّ، وهو حَيَوانٌ مِن جِنسِ الزَّواحِفِ، غَليظُ الجِسمِ خَشِنٌ، ولَه ذَنَبٌ عَريضٌ، يَكثُرُ في الصَّحراءِ، فلَمَّا بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحَلَّ لَهمُ الطَّيِّباتِ وحَرَّمَ عليهم كُلَّ خَبيثٍ، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، فأقَرَّ الإسلامُ أكلَ الضَّبِّ، ولَكِنْ لَم يَكُنِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَأكُلُه؛ لأنَّه لَم يَكُنْ مُتَعَوِّدًا عليه. ولهذا لمَّا أُتيَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بضَبٍّ، لَم يَأكُلْه، ولَم يَنْهَ عنه. فقالت له عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: يا رَسولَ اللهِ، أفلا نُطعِمُه المَساكينَ؟ أي: بَدَلَ أن نَرميَ به نُطعِمُه المَساكينَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُطعِموهم مِمَّا لا تَأكُلونَ؛ لقَوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، فالشَّيءُ الذي لا تَرغَبونَ فيه فلا تَتَخَلَّصوا مِنه بالتَّصَدُّقِ به على المَساكينِ، فكَمالُ البرِّ أن يُنفِقَ الشَّخصُ ويَتَصَدَّقَ مِنَ الشَّيءِ الذي يُحِبُّ، كما قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]. وقيلَ: إنَّ نَهيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن إطعامِه المَساكينَ لا لكَونِه حَرامًا، بل لأنَّ نُفوسَهم تَعافُه لأنَّهم لَم يَتَعَوَّدوه. وفي أكلِ لَحمِ الضَّبِّ خِلافٌ مَحَلُّه كُتُبُ الفِقهِ

وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ أكلِ الضَّبِّ

وفيه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَأكُلْ لَحمَ الضَّبِّ

وفيه عَدَمُ إطعامِ الغَيرِ بطَعامٍ لا يَأكُلُه المُتَصَدِّقُ