باب ما يقوله من بلي بالوسوسة

باب ما يقوله من بلي بالوسوسة

وروينا في " صحيح مسلم " عن عثمان بن أبي العاص (1) رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذلك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا " ففعلت ذلك فأذهبه الله عنه.
قلت: خنزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة، ثم زاي مفتوحة ثم باء موحدة، واختلف العلماء في ضبط الخاء منه، فمنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمها حكاه ابن الأثير في " نهاية الغريب "، والمعروف: الفتح والكسر.

الخشوع روح الصلاة، وهذا يحتاج من الإنسان أن يفرغ قلبه من الشواغل التي ستلهيه عنها، ولكن الشيطان يتربص بالمسلم في صلاته حتى يسلبه الخشوع ويضيعه عليه في صلاته
وفي هذا الحديث يروي عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي» أي: صرفني وألهاني في صلاتي ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها، ويحتمل أن المراد: حال بيني وبين إدراكها، فشككني في عدد ركعاتها، وفي قراءتي فيها، وخلطها علي، فلا أدري كم صليت؟ ولا كيف قرأت الفاتحة وغيرها، «يلبسها علي» أي: يخلطها ويشككني فيها بالوساوس والنسيان، فقال صلى الله عليه وسلم: «ذاك» الذي لبس عليك صلاتك وقراءتك «شيطان» خاص من الشياطين لا رئيسهم، واسمه: «خنزب»، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن هو أدركه وعلم به؛ فليتعوذ بالله منه؛ فإنه لا خلاص من وسوسته إلا بالاستعاذة بالله منه، كأن يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، «واتفل على يسارك» والتفل: شبيه بالبزق، وهو أقل منه، يفعل ذلك ثلاث مرات للمبالغة في المباعدة، وإنما أمر باليسار؛ لأن الشيطان يأتي من قبل اليسار؛ لأن القلب أقرب إلى اليسار، ولا يقصد الشيطان إلا القلب، ففعل عثمان رضي الله عنه ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم من التعوذ والتفل، فأذهب الله عنه ذلك الشيطان ووساوسه
وفي الحديث: بيان أن الشيطان يتسلط على الإنسان في صلاته، فيلبس عليه صلاته.