‌‌ذكر استحباب الإحسان إلى ذوات الأربع رجاء النجاة في العقبى به269

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر استحباب الإحسان إلى ذوات الأربع رجاء النجاة في العقبى به269

أخبرنا علي بن أحمد الجرجاني بحلب حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا عبد الأعلى حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "عذبت امرأة في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" 1

رَوى الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحاديثَ كَثيرةً، وكان كُلُّ واحِدٍ مِنهم يُحَدِّثُ مِنَ الأحاديثِ بحَسَبِ ما سَمِعَه مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد يَسمَعُ بَعضُهم مِنَ الأحاديثِ ما لم يَسمَعْه الآخَرُ؛ لكَونِ مَجالسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَعَدِّدةً، والصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم مُتَفاوِتونَ في مُلازَمةِ مَجالِسِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان بَعضُ الصَّحابةِ إذا سَمِعَ مِن صَحابيٍّ حَديثًا لم يَسمَعْه أنكَرَ عليه أو بَيَّنَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زادَ في الحَديثِ شَيئًا لم يَسمَعْه ذلك الصَّحابيُّ.

 وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ عَلقَمةُ بنُ قَيسٍ -وهو أحَدُ التَّابِعينَ- أنَّهم كانوا عِندَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها في مَجلسِها، فدَخَل عليهم أبو هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فقالت عائِشةُ لأبي هرَيرةَ: أنتَ الذي تُحَدِّثُ، أي: تُخبرُ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: أنَّ امرَأةً عُذِّبَت في هِرَّةٍ، أي: بسَبَبِ قِطَّةٍ لها، رَبَطَتها، أي: قَيَّدَتها وحَبَسَتها، فلم تُطعِمْها، ولم تَسْقِها؟ أي: لم تَأتِ لها بطَعامٍ ولا شَرابٍ، ولا هيَ تَرَكَتها. فقال أبو هرَيرةَ: سَمِعتُه مِنه. يَعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. قال عَبدُ اللَّهِ وهو عَبدُ اللَّهِ بنُ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ: كَذا قال أبي، أي: أنَّ أباه الإمامَ أحمَدَ رَوى هذا الحَديثَ وفسَّرَ هذه العِبارةَ. والمَعنى: سَمِعتُ هذا الحَديثَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم أقُلْه مِن عِندِ نَفسي، فحَدَّثتُ به كَما سَمِعتُه. فقالت عائِشةُ: هَل تَدري ما كانتِ المَرأةُ؟ أي: هَل تَعلمُ حالَ هذه المَرأةِ التي عُذِّبَت بسَبَبِ الهرَّةِ؟ إنَّ المَرأةَ مَعَ ما فعَلَت، أي: مِن رَبطِها للهرَّةِ، كانت كافِرةً، أي: لم تَكُنِ المَرأةُ مُسلِمةً، وإنَّما كافِرةٌ؛ فلذلك استَحَقَّتِ العَذابَ، وإنَّ المُؤمِنَ أكرَمُ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ مِن أن يُعَذِّبَه في هرَّةٍ! أي: أنَّ اللَّهَ أجَلُّ وأكرَمُ قدرًا من أن يُعَذِّبَ أحَدًا من المُسلمينَ بسَبَبِ هرَّةٍ. ثُمَّ قالت عائِشةُ لأبي هرَيرةَ: فإذا حَدَّثتَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فانظُرْ كَيف تُحَدِّثُ! أي: تَبَيَّنْ في حَديثِك قَبلَ تحديثِك حتَّى تَكونَ فيه على بَصيرةٍ، ولا لومَ على أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه في ذلك؛ لأنَّه حَدَّثَ بما سَمِعَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يَكُنْ فيما سَمِعَ تَعيينُ دينِ المَرأةِ، ولعَلَّ عائِشةَ سَمِعَتِ التَّعيينَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يَحفَظْ.
وفي الحَديثِ بَيانُ ما كان يَقَعُ فيه الصَّحابةُ مِنِ اختِلافِهم في رِوايةِ الحَديثِ.
وفيه بَيانُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ المَرأةَ التي عَذَّبَتِ الهرَّةَ كانت كافِرةً، وأنَّ ذلك هو سَبَبُ دُخولِها النَّارَ.
وفيه أنَّ على الشَّخصِ أن يَتَحَرَّى في حَديثِه ويَتَأمَّلَ فيه قَبلَ تَحديثِه؛ فقد يَكونُ ما يَرويه مُطلقًا وله قَيدٌ، أو عامًّا وله تَخصيصٌ، ونَحوُ ذلك.
وفيه تَفخيمُ الذَّنبِ ولو صَغيرًا، وأنَّ تَعذيبَ الحَيَوانِ يَستَحِقُّ صاحِبُه العَذابَ .