‌‌ذكر البيان بأن الأعمال التي يعملها من ليس بمسلم وإن كانت أعمالا صالحة لا تنفع في العقبى من عملها في الدنيا60

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر البيان بأن الأعمال التي يعملها من ليس بمسلم وإن كانت أعمالا صالحة لا تنفع في العقبى من عملها في الدنيا60

أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا القواريري قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن بن جدعان في الجاهلية كان يقري الضيف ويحسن الجوار ويصل الرحم فهل ينفعه ذلك قال "لا إنه لم يقل يوما قط اللهم اغفر لي خطيئتي يوم الدين" 1. [3: 65]

الإيمانُ باللهِ سُبحانَه شرطٌ لرِضاه سُبحانَه عنِ العبدِ، ولدُخولِ الجَنَّةِ في الآخِرةِ والنَّجاةِ منَ النَّارِ، ولذلك أرسَلَ اللهُ سُبحانَه الرُّسُلَ إلى النَّاسِ؛ لدَعوتِهم إلى الإيمانِ به سُبحانَه وتَركِ كلِّ صُوَرِ الكُفرِ والشِّركِ.

 وفي هذا الحديثِ تَروي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها سَألتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عبدِ اللهِ بنِ جُدعانَ، وكانَ من بَني تَيمِ بنِ مُرَّةَ، أقرباءِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وكانَ من رُؤساءِ قُريشٍ في الجاهِليَّةِ -وهي الفَترةُ التي كانت قبلَ بَعثتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؛ سُمُّوا بذلكَ لكَثرةِ جَهالاتِهِم، وكانَ من أفعالِ ابنِ جُدعانَ قبلَ الإسلامِ أنَّه: يَصِلُ الرَّحِمَ، أي: يَوَدُّ أقارِبَه ويُحسِنُ إليهم، ويُطعِم المِسكينَ، ويأتي ببعضِ ما يَشتملُ عليه الإسلامُ من أخلاقٍ، فهل سَتنفعُه أعمالُه الصَّالِحةُ تلك في آخِرَتِه وتُخلِّصُه من عذابِ اللهِ المُستحَقِّ بالكُفرِ، وهو لم يُؤمِنْ باللهِ؟ فأخبَرَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا تَنفَعُه كُلُّ تلك الأعمالِ؛ وذلك لأنَّه لم يَقُل يومًا: «رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يومَ الدِّينِ»، فلم يَكُن يُؤمِنُ باللهِ ولا باليومِ الآخِرِ، ومَن لم يُصدِّقْ به كافِرٌ، والكافرُ لا يَنفَعُه أيُّ عَملٍ من أعمالِ البِرِّ؛ لإحباطِه بكُفرِه، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه لو أسلَمَ لنَفَعَه ما عَمِلَه في الكُفرِ مِنَ الأعمالِ الصَّالحةِ.

والحديثُ في حُكمِ انتفاعِ الكافِرِ بأعمالِه الصَّالِحةِ في الآخِرةِ، وأمَّا في الدُّنيا فقد رَوَى مُسلِمٌ في صحيحِه عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مؤمِنًا حسنةً، يُعطى بها في الدُّنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأمَّا الكافرُ فيُطعَمُ بحَسَناتِ ما عَمِلَ بها للهِ في الدُّنيا، حتَّى إذا أفْضَى إلى الآخِرةِ، لم تَكُنْ له حسنةٌ يُجْزى بها».

 وفي الحديثِ: بيانُ فضلِ الإيمانِ، وأنَّه هو الرُّكنُ الأساسيُّ لقَبولِ أعمالِ العِبادِ.

وفيه: بيانُ شُؤمِ الكُفرِ، وأنَّه من مُحبِطاتِ الأعمالِ الصَّالحاتِ.