"‌‌باب: ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ومطلعه إلى خلقه"295

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب: ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ومطلعه إلى خلقه"295

ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله ابن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا كان ثلث الليل أو شطره ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيقول هل من سائل فأعطيه هل من داعي فأستجيب له هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له حتى يطلع الفجر"

الوَقتُ الأخيرُ من اللَّيلِ وَقتٌ شريفٌ مُرغَّبٌ فيه، خصَّه اللهُ تعالى بالنُّزولِ فيه، وتَفضَّلَ على عِبادِهِ بإجابةِ مَن دعا فيه، وإعطاءِ مَن سألَه.

وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يَنزِلُ اللهُ تَعالى في السَّماءِ الدُّنيا" نُزولًا حَقيقيًّا يَليقُ بذاتِهِ سُبحانَه وتَعالى، ولا يَعلمُ كَيفيَّتَه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، ولا يُمثَّلُ بنُزولِ المخلوقينَ؛ فليس كمِثْلِهِ شَيْءٌ سُبحانَه، "لشَطْرِ اللَّيلِ، أو لثُلُثِ اللَّيلِ الآخِرِ" وهو وقْتُ خَلْوةٍ وغَفْلةٍ واسْتِغراقٍ في النَّومِ، واسْتِلذاذٍ به، "فيقولُ: مَنْ يَدْعوني؛ فأَسْتجيبَ له، أو يَسأَلُني؛ فَأُعْطِيَهُ" وهذا كُلُّه بمعنى طَلَبِ العَبدِ منَ اللهِ ما يشاءُ في هذا الوقْتِ من اللَّيلِ وهو يُناجيهِ، فمَنْ آثَرَ القيامَ لمُناجاةِ ربِّهِ، والتضرُّعِ إليه في غُفْرانِ ذُنوبِهِ، وفِكاكِ رَقبتِهِ مِن النَّارِ، وسألَه التَّوبةَ في هذا الوقتِ الشَّاقِّ، فذلك دَليلٌ على خُلوصِ نيَّتِهِ، وصِحَّةِ رَغْبتِهِ فيما عندَ ربِّهِ، فضُمِنَتْ له الإجابةُ الَّتي هي مَقْرونةٌ بالإخْلاصِ وصِدْقِ النِّيَّةِ في الدُّعاءِ، "ثم يَبسُطُ يدَيْهِ يقولُ: مَن يُقرِضُ"، أي: مَن يُقرِضُ اللَّهَ تعالى؟ وهو سبحانه "غيْرَ عَديمٍ ولا ظَلومٍ"، أي: غيرَ فَقيرٍ لا يَجِدُ ما يَرُدُّه للمُقْرِضِ، فهو الغنيُّ سُبحانَه، وغيرُ ظالِمٍ، بمَطْلِ رَدِّ بَدَلِ المُقرِضِ، والمُرادُ بالقَرْضِ عَمَلُ الطاعَةِ، سواءٌ فيه الصَّدقَةُ والصَّلاةُ والصَّومُ والذِّكْرُ وغيرُها من الطاعاتِ، وسَماهُ سُبحانَه وتَعالى قَرضًا مُلاطَفةً للعِبادِ وتَحْريضًا لهم على المُبادَرَةِ إلى الطاعَةِ، كما أنَّ فيه إشارةً إلى جَزيلِ الثوابِ عليها، فهو الغنيُّ ذو العَطاءِ والفَضْلِ.